الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 28 / Mar / 2024 - 15:48 pm
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/m-kamel.htm
الزاوية الأدبية »
الزوجة ... للكاتب عماد كوسا

الزوجة

 كان النهار يسحب آخر خيوط النور المتناثرة على القمم الصخرية الفضية , بعد أن ودعت الشمس أديم الأرض و أفسحت المجال لنسيم باردٍ يتسلل من بين النفوس الكئيبة لتنذر برياح أواخر الخريف و تنذر بالمطر, في حين كان العجيج يتخافت رويدا رويداًَ تاركا خلفه صمتا مرعبا يوحي بالوحشة و الغربة .
أحكم عبد الستار أزرار سترته الصوفية و رفع ياقة كنزة الصوف التي لاصقت جسمه لشتاءات أربعة . ووضع القبعة على رأسه المغطى بالشعر الأسود الفاحم و هو يهم بالعودة إلى بيته بعد يومٍ طويل  مجهد  أمضاه في المعمل بين زغب الصوف  و كراتين البضاعة  وأكياس الخيوط .
كان  قد انقطع عن العمل طيلة شهر كاملٍ و عاود العمل هذا اليوم كأنه يومه الأول في هذا المعمل الذي أمضى فيه أغلب أيام صباه و شبابه.
لقد تعلم سابقاً أن الفراغ كسلٌ و رخاء و انحطاط للهمة , و أن العمل مع المداومة نشاط و تجدد و نماء.
لكن العمل المجهد بعد راحة شهر كامل ما هو إلا عقوبة تأتي لتنال منه ثمن تلك الراحة , ومع ذلك فإنه يمني نفسه بأن الغد سيكون أرحم من اليوم و بعد غد يكون قد انصهر في البوتقة المعتادة و تدور الأيام دورتها المعهودة فيضيع فيها شقاؤه و تعبه و إحساسه  ووجوده .
وضع يده في جيبه يقيهما البرد حين اقترب منه الريس و بادره بالقول : " لا تتأخر غدا يا عبد الستار   , لقد تراكم العمل كما ترى " .  و هزَّ عبد الستار رأسه موافقاً دون أن يتأمل شكل الغد كيف سيكون  . كان متشوقا إلى بيته لذلك فإنه كان ينتظر الحافلة بفارغ الصبر , مشى خطوات عديدة في الشارع  الذي بدأ يلفحه الظلام و هو يرمق أوله ينتظر النور المبهر الذي يبشر بقدوم الحافلة , ثم خطر باله أن يشتري شيئا من الفواكه يفاجىء بها زوجته المسكينة المريضة , خشي في بادىء الأمر أن يتأخر عن الحافلة لكنه رغب رغبة شديدة في اصطحاب شيء لزوجته حتى لو تأخر . .
سيصل إلى بيته و في يده كيس الفواكه , سيطرق الباب بهدوء لأن زوجته ستكون متيقظة تنتظر عودته  , أو ربما تكون خلف الباب جاثمة تنتظر سماع وقع خطاه في الخارج , ستهرع إلى الباب و تفتحه لتستقبله ببشاشتها و ابتسامتها و اشراقتها و نضارتها و خدودها المتوردة و ألفاظها التي تجد طريقا سريعا إلى أعماق قلبه , سيحتضنها بنهم , كأنه يلتقي بها بعد فراق طويل , ستقول له زوجته بنبرة أشبه بالنغمة الشجية : "  حمدا لله على السلامة يا عبد الستار "
سيهز صوتها لواعج نفسه  فيعصرها بين ذراعيه , ستنزع عنه برد الطريق و الصور العالقة في مخيلته لليوم المجهد الطويل , ستنزع عنه صورة الشقاء و العبودية التي عاشها منذ الصباح و تلبسه حلة السعادة الجميلة .
سيقدم لها كيس الفواكه , وستعاتبه على إسرافه
سيقول لها : " من أجل عينيك يرخص الغالي "
ولن يطول انتظاره حتى تضع له العشاء , سيأكل بنهم لأنه لم يشبع من اللفافة التي تناولها في منتصف النهار , رائحة الشاي الساخن التي سوف تملأ خياشيمه  سوف تسكره و تجعله يحوم في حلم جميل مكلل بابتسامة زوجته و ضحكاتها ,  ستتساقط عن وجهه كل تقاسيم التعب و الشقاء و الألم و الحزن الممض و الفقر المتقع و جور الأيام و المآسي و العذاب . سيتناول سيجارته  و يشعلها ليمتزج دخانها بالبخار المتصاعد من كأس الشاي و يحلق هو  مثل هذا الدخان و يضيع في الأثير .  أحبها و أحبته كعصفورين غردا في صباح مشرق بهيج , وهو يشك في المثل الدارج : " إذا دخل الفقر من الباب  هرب الحب من الشباك "  و يعتبر هذا القول لا معنى له في عالمه الصغير , فها هو ذا يحب زوجته تحت سقف هذا البيت و الفقر ثالثهما دون أن يهرب أحد .... هل يا ترى لأن بيته لا شبابيك له ؟؟؟
شعور الشوق كان غريباً
نظر من نافذة الحافلة فبدت له أضواء القرية  خافتتة كنجوم تتلاشى في فضاء واسع
أمسك بكيس الفواكه و هو يخترق ممرات القرية الضيقة والمظلمة , لا يكاد يسمع سوى نباح الكلاب  ,  دنى من بيته و قد بدأ هاجس مخيف ينتابه , أحس بأن هذا المكان هو موضع الشقاء الأزلي , و أن أمانيه كلها يجب أن تتلاشى عند أقدام بيته , لم تبادره ذكريات الأمس لأنه كان في نشوة عميقة  وحلم جميل ,  كان يشعر بالرعب و هو يراقب جدران البيوت
شعر بالهلع وهو يدنو من باب بيته
طرق الباب بهدوء
و تحسس كيس الفواكه ليفاجىء به زوجته  , و استعدت تقاسيم وجهه لتبتسم أو لأن تستقبل الابتسامة
و لما شعر بالهدوء المرعب طرق مرة أخرى , ثم طرق بقوة أكثر و هو  يحاول أن يبرر لزوجته تأخرها فعلها تكون نائمة لا تزال تعاني شيئا من آثار المرض.
خرجت أمه من الباب الخشبي المقابل فوجدته يطرق الباب فدلفت مسرعة وأخبرت زوجها بالأمر فخرج والده ملتاعا تتبعه الأم و في عيونها دموع , شعر عبد الستار أنه أحدث جلبة أيقظت والديه فبادر معتذراً .
قال والده وهو يضع يده على كتف عبد الستار :
" أتشكو من شيء يا ولدي ؟؟؟ أراك تطرق الباب ؟
انتصب شعره و صعد كل الدم إلى رأسه بينما سقط كيس الفواكه و سقطت دمعة ثقيلة من بين أهداب أمه .
في الليلة الماضية قال له والده : " أما آن لك أن تعود إلى عملك  يا عبد الستار ؟ "
ووعده عبد الستار أن يمضي من الغد إلى المعمل طالبا من أمه أن توقظه باكرا
" يبدو أن العمل المجهد بعد الراحة الطويلة قد أثر فيك يا ولدي "
اعتذر مرة أخرى و مد يده إلى جيبه و أخرج المفتاح و أداره في الباب و دفعه مصغيا إلى زعيقه القاتل مترقبا ظلمة الغرفة ووحشتها كأنها قبر كان قد فرَّ منه في الصباح فهو يلقى فيه الآن , و توارى في ظلمته وهو يقول لأمه  : " أيقظيني باكرا "
و بدا كأنه لم يسمع أمه تقول : " لقد أعددت لك العشاء , لا تنم قبل أن تأكل ".
لم يحدث ذلك لعبد الستار مرة أخرى فقد حفرت تلك الليلة في ذاكرته أخدوداً عظيما ً لا يمكن تناسيه أو تجاهله ما دام في جسده بقية من روح .
ربما كانت صدمته في تلك الليلة أعظم على قلبه من صدمته بموت زوجته  , ولطالما كان يتذكر موت الحلم و انهيار الأمل الجميل و قد رفض البتة أن تنام امرأة أخرى مكان زوجته , و عمل جاهداً أن يظل مكانها في الفراش شاغراً و في القلب مشغولا .
استيقظ عند الفجر و توجه إلى المقبرة ليجعل طريقه على قبر زوجته قبل أن يغرق في معمعة المعمل و الشقاء  الطويل .
تيريج عفرين 1 / 11 / 2010


تعليقات حول الموضوع

ابو روني | الحياة حلوة
تستحق الحياة منا ان نعيشها بكل فصولها
13:36:09 , 2011/09/14

فرزندا | شكر
شكرا لك مزيدا من ابداع
00:49:32 , 2010/11/03

رنا | عدم اليأس
اتمنى منك ان لا تفقد الامل في اي شي مهما كان وان تنظر دائما الى الامام الذي ينتظرك والذي سيكون ان شاء الله جميلا ومشرقا وان تستمر في كتاباتك المفيدة حتى تكون عبرة للجميع واولهم انا
23:47:51 , 2010/11/01



هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar