الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 25 / Apr / 2024 - 12:23 pm
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/m-kamel.htm
الزاوية الأدبية »
الدحاليل

الدحاليل
عيد 2011
طرقتُ الباب ففُتح عن وجه زوجتي الشاحب تحاول أن تصطنع ابتسامةً فلا تسعفها التجاعيد و الارتخاء و الذبول المطبوع على وجهها , تملكتها دهشةٌ و ارتفع الدم حتى أذنيها و امتلأت بالغيظ, لكنها لم تتكلم فبادرتها قائلاً :
- لماذا على المأساة أن تتكرر في العام مرتين؟
قالت يائسة :  وأين خفا حنين ؟
قلت : حتى خفا حنين صارت لهما قيمة في زمننا .
في العيد الماضي لم أترك باباً إلا و طرقته أريد أن أستدين شيئاً من النقود تعينني على تكاليف العيد أسددها أقساطا, قسطاً تلو الآخر , فأبى أكثر الناس أن يقرضونني و كلٌ له أسبابه و دواعيه , فهذا يظنني كاذباً محتالاً و ذاك يخشى أن أماطله و آخر يضن بالنقود , و أكثر الناس لا يسري في عروقهم أي إحساس بالفقر و الحاجة , و فاقد الشيء لا يعطيه و لا يصدق أن في الدنيا من يحتاج إلى لقمة .
قلت لزوجتي : هذه الدنيا كلها للأغنياء و المترفين و حتى العيد صار لهم بعد أن فرَّغوه من مضمونه و عرَّوه من قيمه و أخرجوه بحلةٍ أخرى تتناسب مع أهوائهم .
جلستُ فنهض كل أطفالي و تراكضوا يريدون أن يتفاجؤوا بما جلبته لهم .
و حقاً كانت المفاجاة و أي مفاجأة .
طأطأ أحدهم رأسه و عاد الهوينى إلى وكره , و جلس الآخر منهاراً لا يصدق , و أنشأ الصغير يبكي بكاءً حاداً  كأن قطعة من جسمه قد جُزت .
في الصباح سوف يخرج أطفال المترفين منتعشين بعبق العيد انتعاش الورود العطشى بحبات الندى مزهوين بالأثواب الجديدة مندفعين إلى الفرح و السرور لا تكاد الأرض تحس بخطاهم  , و معظم الآباء يرون العيد من خلال عيون أولادهم  و يفرحون به من خلال فرحتهم , و كذلك أنا
عندما أحبس أولادي في بيتي و أمنعهم من مخالطة أقرانهم  و لداتهم و أقنعهم أن هذه المخالطة ضرب من  الاختلاط الحلرم منهيٌّ عنه في الشرع و القانون و العرف و الإحساس و اللا إحساس .
عادت زوجتي لتسأل : إنك لم تعد حتى بخفي حنين , و لا بد من وجود الضيافة , إن لم يكن من اجل الأولاد فمن أجل أن نحفظ ماء وجهنا أمام الضيوف .
ضاق صدري بهذه العادات السيئة التي غزتنا على حين غفلة واستوطنتنا و استعبدتنا , و الأخطر من هذا كله أننا لا نفكر في الثورة عليها و التحرر منها , بل نرتاح بها جاثمة على صدورنا و قلوبنا و رؤوسنا و ووجوهنا و أعناقنا راغماً عن أنف كما تجثم جبال هيمالايا على جسد الهند و السند , لا أدري متى تهتز الأرض فلا تذرها إلا قاعاً صفصفا.
رفعت زوجتي رأسها فجأة و عيونها تبرق بالأمل و قالت  : وجدتها
- الحمدالله فرجت
- الحاج عبد المقصود ... هل ذهبت إليه و سألته ؟
- لم أطف القرية كلها كالسائل بل توجهت إلى عدد من الأقرباء و الأغنياء.
- أظن أن الحاج عبد المقصود يفك ضيقنا , هيا امض إليه يا رجل .
و بينما كنت في الطريق إلى بيت الحاج عبد المقصود راودتني صور تذكارية عديدة عن ملامح الرجل و تصرفاته و عاداته  و محاسنه و مثالبه و مواقفه و تحركاته , و نظارته الغليظة و شاربه المحفوف و لحيته الخفيفة و سبحته التي لا تفارق أنامله و أنامله التي لا تفارق أبواب المساجد , و مرَّت في مخيلتي صور أبنائه فشعرت بشيء من المقت , لكنني ركزت في النهاية على أمر واحد و هو أن الحاج عبد المقصود هو من أعيان القرية  و أشرافها و تكاد  القرية تقوم بقضها و قضيضها بإشارة من سبابته وتقعد , صدقت زوجتي حين قالت : (وجدتها)
و طرقت باب الرجل فإذا بالفضيلة و الرذينة و الكبرياء و العفة و الوقار و البهاء و الأنفة و السماحة و الغبطة و البشاشة و الحبور و الوداعة و السكينة و الرحمة و الهيبة و الغموض يفتحون الباب .
- السلام عليكم أجمعين .
- و عليك السلام .... و صمت .
- أطال الله عمرك يا سيدي و مولاي و سندي و ....
نسيت أن أسلم على من يقف خلف الحاج عبد المقصود , شعرت بالإحراج الشديد لعدم انتباهي و ارتباكي و قلة لباقتي و ذلك لأني لا أتقن (الاتيكيت) .
استطعت أن أعرف  ماذا قال الحاج  عبد المقصود في نفسه , فاحمر وجهي و أردت العودة لكني كنت أغرق و انطلق لسان الحاجة الذي في فمي يقول : أيها الحاج أنت تعلم ما بي من خصاصة و فاقة شديدين و قد داهمنا العيد على حين غرة و ليس لي يدان عليه فجئت أمد يدي طالباً العون ممن يمد يده للعون .
قاطعني الحاج غاضباً :  إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله , و " لا يكلف الله نفسا ً إلا وسعها  " فأنت و أمثالك لا يكلفكم أحد بتكاليف العيد و لا ينبغي أن يزوركم أحد و يكون عالة عليكم بل أنتم من ينبغي أن تطوفوا على بيوت الآخرين و تنالوا من الضيافة ما تشاؤون , و أولادُكم .
حاولت أن أجمع أشتات فكري لأقول له : و هل الناس يتزاورن في العيد بغرض الضيافة فحسب , هل أصبحت بيوت الفقراء مزابل منفرة ؟
قال يتنحنح : أقصد أن بيوتنا مفتوحة لكم في العيد و في غير العيد , و استاذن مغلقاً الباب في وجهي فكرهت أن انصرف دون أن ألقي التحية التي هي فرض ولا شك .
- السلام عليكم أجمعين  .
في هذه المرة تلقيت رد السلام ممن كان يقف خلف الحاج . لقد كان شيطانه الذي ألبسه ثوب الرجل الفاضل الورع التقي العفيف الوقور البهي السمح  الحبور البشوش الوادع المهاب .
- و عليك السلام .
- عليك و عليك و عليك ... و لا زلت أرددها حتى استقبلتني زوجتي مرة أخرى و تكرر نفس
الموقف .
قبل كل عيد ترى في عيون ملايين الأطفال دموعاً صنعها تجار الدم و المال و الروح و تجار الإنسانية  و الدين و السلطة تذرف بلا هوادة على الرمال و التراب و الصخور و مياه الأنهار و البحيرات و البحار القطبية و اللا قطبية تختلط بالأمطار الاستوائية و اللا استوائية   لتتحدث عنها الصحف المحلية و الأجنبية كخبر عابر يعترض موجة الإعلانات الموسمية .
لم أحتمل نظرات أطفالي فهرعت إلى فراشي و جرُّوا هم أنفسهم إلى فرشهم واحداً تلو الآخر بعد أن امتلأت نفوسهم بالخيبة و التعاسة و لكم وددت أن يخطفني ملك الموت في هذه الليلة فاخلص من هم العيد في الغد .
أعياني التفكير فجذبتني براثن النوم و وضعتني على أجنحة طائر الأحلام الذي أخذ يجول بي في عالم الغد :
رأيتني مع جماعة من الأغنياء نستمع لنشرة الأخبار فسمعنا المذيع يقول : (أيها السادة نلفت انتباهكم إلى أن يوم العيد قد أرجئ إلى إشعار آخر و ذلك بسبب سوء الأحوال المادية للمواطنين) و هللتُ للخبر وحيداً بينما استنكر كل الناس من حولي و انهالوا علي ضربا كوني كنت مندساً بينهم .
ثم رأيت نفسي أشارك في استفتاء جماهيري حر : أجب بنعم أو لا (هل تريد أن يبقى العيد في الغد)
و كان رأي الأكثرية هو (لا)  و فوجئنا بالنتيجة على غرار ذلك و صرخنا بصوت ضعيف ( هذا غش ... هذا تزوير ) و لم نستطع تغيير النتيجة.
و رأيتني في حلم آخر أجمع الناس من حولي و أدعوهم لرفض العيد فصدني أحد المشايخ قائلا : يا ولدي العيد قيمة إسلامية لا يمكن تجاوزها و رفضها , يأتي العيد بعد شهر الصيام كجائزة من الله وسماح بالفطر بعد الإمساك , و يأتي في الحج أضحيةً تقبَّلها الله تعالى بعد يوم عرفة .
صرختُ و صرخ من معي :
- من يذكر ذلك يا شيخ؟ لقد صار العيد يوماً للأغنياء يظهرون فيه غناهم و ترفهم  أمام تعاستنا
و فاقتنا و قلة حيلتنا  . و سمعت الحاج عبد المقصود يصيح هاتفاً : ( أنتم دحاليل العيد . سنلعب بكم في هذا الميدان كما يلعب أولادنا بالدحاليل ). و انطلقت الحشود تهتف بصوت واحد (العيد للفقراء  ... العيد للفقراء )
و وقف الأغنياء قبالتنا و احتدم بيننا صراع دام , وحاولنا أن نحل المشكلة سلمياً إلا أن أحداً لم يتنازل عن رأيه , و تطور الصراع  و سُمع دوي إطلاق النار و شعرتُ بوخز مؤلم في خاصرتي ثم في صدري , مددت يدي فإذا بها تبتل بالدم فصرخت بذعر : ( إني أموت  ... أقتل ... أستشهد )
و فتحت عيوني لأرى زوجتي و أولادي واقفين فوق رأسي مشدوهين , ناولتني زوجتي كوب الماء فارتشفت منه رشفة , و أومأت هي للأولاد فعادوا إلى فرشهم . و ما أن وضعت الكأس من يدي حتى انطلق صوت المؤذن يؤذن لصلاة الفجر , فنهضت أتوضأ فإذا بالمؤذن يقرأ الفاتحة ثم يقول :
 ( كل نفس ذائقة الموت ) , أعرت انتباهي الشديد كي أعلم ما الأمر فأردف المؤذن :
انتقل إلى رحمة اله  تعالى الحاج عبد المقصود ... إنا لله و إنا إليه راجعون .... الفاتحة ...
تملكتني غبطة شديدة .. لا والله ليس لموت الرجل .
مضيت إلى صلاة الفجر و أعقبتُها بدعاء طويل و توسل إلى الله تعالى أن يتغمد الحاج برحمته و يسكنه فسيح جنانه , فالرجل له فضل عليَّ لا أنساه , وإن كان صدَّني البارحة . و إن كنتُ في نظره واحداً من الدحاليل فقد أسدى إلي معروفاً , و أنقذني من ورطة و فرَّج عني كربةً من كربات الدنيا , فرَّج الله عنه كربة من كربات الآخرة .
سيُقضى يوم العيد لا محالة في تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير و دفنه و تعزية ذويه  و قراءة القرآن على روحه الطاهرة .

و لن يكون في القرية عيدٌ  بل سيكون فيها مأتم .
 30/8/2011


تعليقات حول الموضوع

محمد كنجو | ما بعد الضيق الا الفرج
القصة رائعة . تمثل بعد المجتمع الانساني عن الاخلاق والقيم الاسلامية الحقيقية صدقني يا صديقي لو كل غني قام بأداء فريضة الذكاة في منطقتنا لكانت قصتك بعنوان ليت ايام العمر كلها عيد لأنه حتما سيكون عيدا سعيدا
09:49:31 , 2011/09/18

ام جودي | تحية تقدير واحترام كبيرين للكاتب
ليت كل مشاكل وهموم الحياة تحل بهذه الطريقة السحرية والسهلة وخاصة المساكل التي لايكون حلها ماديا
09:50:02 , 2011/09/12

عفريني | عتب
أنا بدي علق على أغنية تيريجن عفرين : معقول ب3اجزاء ما لقيتو محل للمبدع عامر بوفه نور ؟!!!!!!!
06:39:33 , 2011/09/09



هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar