تشير المصادر التاريخية والمكتشفات الأثرية، إلى أن موقع بلدة ( جنديرس ) كان من الأماكن القديمة المأهولة. فموقعها وسط سهول خصبة، ووجود ينابيع عديدة حولها، وقربها من نهر عفرين، ووقوعها على الطريق الرومانية القديمة التي كانت تمر منها إلى ( نبي هوري، وانطاكية )؛ جعلت منها إحدى أهم مراكز الاستيطان القديمة في القسم الجنوبي والأخير من سهل جومه. واغلب الظن أن الحي الجنوبي الحالي ( المحاذي لتل جنديرس هي القرية الأساسية قبل اتساعها وتحولها إلى بلدة، ومركز ناحية ) قد أقيم على أنقاض جنديرس القديمة. ففي عام 1996 وأثناء عملية حفر أساس في موقع البازار شمال التل بحوالي 200 م، عثر العمال على أدوات وتماثيل من البرونز والمعادن الثمينة، واعتبر الأثريون هذا المكان ورشة صناعية في العهود القديمة.
أما ( تل جنديرس ) الأثري، والذي تزيد مساحته سطحه عن / 20 / هكتار، جنوبي البلدة الحالية فهو الموقع الأكثر أهمية، حيث تم تسجيله تحت رقم 266 تلاً اثرياً في محافظة حلب. ويعمل عليه فرق تنقيب وطنية وأجنبية منذ عدة عقود .
ومعظم المصادر التاريخية القديمة تؤكد على الأهمية التاريخية لبلدة جنديرس، فقد كانت مهدا للرهبانيات في شمال سوريا في القرون الأولى للميلاد ( بولس يتيم، ص 16). وأسس فيه أحد تلامذة يوليانوس الرهاوي ديرا يسميه (استريوس ) بـ ( دير جنديرس)، وذلك في أواخر حكم الإمبراطور قسطنطين ( 306-337 ) ( ع.حجار، كنيسة سمعان، ص 16 ).
وقد دخلت قوات المسلمين هذه المنطقة وقراها عام 637 م بقيادة عياض بن عبد غنم. وقد وصف ابن شداد جنديرس بما ينبئ عن موقعها وأهميتها السابقة حيث يقول:( وبكورة الجومة عيون كبريتية تجري إلى الحمة. والحمة قرية يقال لها حندارس (جندارس)، لها بنيان عجيب، معقود بالحجارة، يأتيها الناس من كل الأماكن، فيسبحون بها للعلل التي تصيبهم، ولايدرى من أين يجيء ماؤها، ولا أين يذهب ) (الدر المنتخب، ص 131 ) . وربما كان ابن شداد قصد الحمامات التي كانت موجودة في قرية الحمام غربي جنديرس، حيث قسم خط الحدود هذه القرية إلى نصفين تركي: تمت إزالته ونقله إلى الداخل، وسوري: وهي لاتزال عامرة بسكانها . وجنديرس الحالية بلدة كبيرة، ومركز لناحية هامة في منطقة عفرين. وهي تقع وسط سهل فسيح، يموج بأشجار الزيتون المقدس.
المراجع
مخطوطة للدكتور محمد عبدو علي