الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Fri - 29 / Mar / 2024 - 1:00 am
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
رسالتان من الآخرة

عزيزي القارئ ؛ ستستغرب بمجرد قراءتك العنوان .. أيَّمَا استغراب ؟. رسالة واحدة من الآخرة صعبُ التصديق ، فكيف برسالتين اثنتين ؟!.

 لقد حدث ذلك فعلاً ، وإليك الرسالة الأولى :

أُرَانِي يومًا مُغادِرًا عفرين إلى أهلي بقرية برمجة في خريف عام 1995 ، وأدْخُلُ على والدَيَّ .. فتهمِسُ إليَّ الوالدة بوعكةٍ في صحة والدي , فاندفع متلهِّفاً لاستبيان الحقيقة ؟... ينفى وُجُودَ ما يستدعي الاهتمام الزائد بهذا الرشح البسيط .. ومعاتبًا والدتي على مفاجأة ابنها بخبر المرض .

رجوته النزولَ إلى طبيبٍ في عفرين بإلحَاحٍ ؛ فأبَى ، وكلفني إرسالَ أدوية الرَّشْح من الصيدلية .. مِمَّا دعاني الحالُ إلى المبيت لِهَاجسٍ خَفِيٍّ !.

وفي الصباح الباكر ؛ توسلتُ إليه بمرافقتي لِتغيير الجَوِّ والطبيب و .. وما أنْ ابتعدتْ سيارتنا عن القرية مسافة ، حتى فاتحني بلزوم العودة سريعًا إلى القرية ، إثرَ شراء حاجاتٍ للبيت ، ولا مانع من مراجعة الطبيب بناءً على الطلب .. وهو يتمتمُ بعبارات خافضةٍ : مَا فِي دَاعِي لِكُلْ هَشِّي ، سعال وارتخاء بسيط في القوةِ البدنية ..

ولم يخطر في بالي ؛ أنها اسْتِدْرَاجَاتُ القدَر في ثلاثة أشهر تالية .. لِكَهْلٍ ينظر بمنظار المصير ، وأن الموتَ سيخطفه من بيننا بقضاء اللهI  وقدرهِ ، وسيصيبني الذهول ..  دونَ تركِ وصيَّةٍ لِوَحِيدِهِ تعينه في مسيرةِ الحياة !!..

وحيدٌ .. بلا وصية من أبٍ حريصٍ !!.. خذها صورةً من عالم آخر يا محمد !!.. وجدته في منامي يتوَسَّط الجلسة الحاشدة في دار عمي شَيْخُو فِيلـُكْ .. وبأجمل اللباس ، وبفُتُوَّةٍ في الكلام والبدن غير مَعْهُودَةٍ ، يُحَدِّثُ الحُضُورَ برَزانةٍ وتشَوُّقٍ .. عن صُوَرٍ لِلتكريم والتقدير في حَيَاتِهِ المُعاشةِ .. ثم يستأذن قائمًا ؛ يُوَدِّعُهُمْ وَداعَ مَنْ قاربَتْ زيارته النهاية .

 فأرافقه عند الخروج ، وكلانا "كعادتنا" في حديثٍ عن بعض القضايا التي يجب علاجها سوية .. لا تفارق خيالي هالة الانتقال إلى الآخرة في حديثه آنفاً !..

اقتربنا من صهريج الماء في فِنَاءِ "بيشَيْ أودَيْ " المضافة ، وعلى الصهريج بكرة سحب الماء بدَلوِهِ في نهاية الحبل ... فما أرى والدي إلاَّ مندفعًا نحو فوهة الصهريج .. متعلقا بالدلو .. فيَهْوي إلى القعر !!... فأندفع  للامساك ببقية الحبل ، فلم أفلح .. فأنحني متفحِّصًا قعرَ الصهريج .. فلم أرَ إلاَّ  صفحة الماء الساكنة !!..

أسْحَبُ الحبلَ باندهاشٍ شيئًا فشيئًا ، حتى بَرَزَ الدلوُ غِلافَ بَريدٍ يحمل عُدَّتـَيْن لِلبَنـَّائين : (مالة) أداة تسوية الطين والإسمنت ، و(مَيْزِيْنْ) أداة التوازن والتعديل .. وهما أقوَمُ وسيلتين لكلِّ بَنـَّأءٍ !!.. نعم نعم أيها الأبُ الحريص .. إنها وصيتك من عالم الغيب لبناء فقرات الحياة  . وهل الحياة تستقيم إلاَّ بالتخطيط والتسوية والاعتدال !!.. لقد تبلـَّغْتُ مضمونَ الوصية الغالية يا أبي .. وسألتزم كما عهدتني . 

الرسالة الثانية :

ليلة حالمة في سَمَر مع والدي من عالم الغيب .. علي السفح الشرقي لقريتنا بُرِيْمُجَهْ ، يُخَيَّلُ إلينا انتشار النيران وأضواء القرى الكثيرة المتناثرة ..

فاجأني الوالدُ سائلاً : هل أعاد شريكنا ( عَ . رَ ) ما في ذمته من قيمة آلاتِ معصرة الزيتون ؟. قلـتُ : لا .

أخذ بيدي مُرَافِقـَا للبحث عنه ، فكان اللقاءُ .. فالإمْسَاكُ بسَاقَيْهِ من قبلنا ، وإلـْقَاؤُهُ في حفرة مخروطية لخربة غرفة قديمة من الطوب .. يجب أن يكون هنا مصير هؤلاء في الحياة !!..

بحثت عن أجوبة للرسالتين فكان ما يلي :

يا محمد : ضع نصب عينيك البناء ، وكن عادلاً ، واحْـذر التعامل مع أنموذج " عَ رَ " ؛ تسلم لك الحياة

بريمجة 1995
22 / 5 / 2007

===============

السماءُ أمطرتْ الثعالبَ

 å  حدثني مَحْمَدَيْ عَرُفِي مَيْرَىْ فقال حضرتُ مجلسًا في قريتنا ضَمَّ أحمدي عكيل وأولاده ، وهو يستعرض لهم ما آل إليه أمرُ سَيْطرةِ أخيه على حصته من تركة والدهما ؛ يومَ ما أقدم " في غيابه بدمشق بعد وفاة والده " على تسجيل أملاكِهِ  باسمه .. مستهترًا بالرَّحِم والأخوة والعرف والدين والمواثيق .

راح يشرح بإسهاب عن سَيْر إقامة الدعوى ، وضرورة الاستعانة بشهود جدد عادلين .. لدحض إفادة الشهود الذين شهدوا لصالح أخيه . فالطريق طويل , ومدة إرجاع الحق تتوقف على ظروف ملائمة .. وخيبة الأمل ؛ أن تنقلب النفسُ الزكيَّة إلى النفس المريضة الأمَّارة بالسوء !...

تَمَلمَلَ أولادُهُ في صَمْتٍ عميق ، وتشحَّنتْ ملامِحُهم بسُحُبٍ الأسَى من تصرفات العَمِّ وانتهازه فرصة غياب أبيهم "صاحب الحق" ... حتى انفجر الابنُ الكبير أزاد ، فملأ الجوَّ تذمُّرًا , وهو يتمتم مع نفسه بكلمات ، ثمَّ أعلنها جُرْأةً خالية من اللباقة أمام أبيه والحُضُور قائلاً : متى تنتهي معاناتنا ، ويعود حقنا وأملاكنا ؟!. كلُّ الظروف الحالية قائمة لصالح غريمنا !.. فلا أرى بوارقَ الأمل المنشود !. فمتى نسترجع حقنا من تركة جدِّنا ، يا والدي ؟!!...

å تنـَهَّـدَ محمدي عرفي ميرى عميقاً ، ثم تابع القول بنبرةِ الحكيم الخبير قائلاً :

سنحصل على حقوقنا !.. نعم يا أبنائي ؛ سيعود حقنا إلينا .. سننتظر قدوم الزمن الذي تتعافى فيه القلوب من أمراض الجشع وحبِّ الذات والمصلحة ... سننتظر زمن إزهاق الباطل وإحقاق الحق .. تلك سِمَةُ الحياة على مرِّ التاريخ البشري ؛ صعودٌ وهبوطٌ .. كما ضياءُ النهار يمسخ ظلامَ الليل ؛ ستأتي ضياء الحق والعدل .. فيَخنسُ ظلامُ الجَوْر !!.. وخذوها درسًا من هذه الرواية لعلكم تتدبَّرون المغزى من قانون الحياة :

1ـ يُرْوَى أن ملِكًا رأى منامًا ، ثم نَسِيَهُ . فطلب من وزيره شَهْرَيَارْ تذكيره بالحلم الضائع خلال شهر ، وإلاَّ ينتظره أشدُّ العقاب إن عجز عن البيان .

بذل الوزير قصارى جهده عن طريق الاتصال بالحكماء والعرَّافين والسحرة وأهل الخبرة من عامة الناس .. والأيامُ تمضي ثقيلة ثقيلة ، خاصة وهي تقترب من النهاية .. ولمَّا يحصلْ على مراده !!..

اعتراه اليأس قبيل اليوم الأخير ، وخطط الخلاص من المأزق بما أوحى إليه حُبُ البقاء وخوفُ العقاب .. بدأ خطتَه بالتنكُّر لحاله ، وخرج حاملاً زوَّاد طعامه .. صاعدًا قممَ الجبال ملاذ النجاة ... وما أن أحَسَّ بالأمان ؛ حتى جلس في أجَمَةٍ قرب صخرة ، وبسط زوادته وراح يأكل .

وإذا بحيَّةٍ تخرج من جحرها ، وتحاكيه بكلام واضح ، مخبرًا الوزيرَ بقدرتهِ على كشف حلم الملك ؛ شريطة إعطائه نصف الجائزة الموعودة ؟!.. فسرعان ما وافق الوزير على الشرط فرحًا بالفرج ، ومُؤَكِّدًا منحها المطلوب بأغلظ الأيمان .. فكان ما كان .

رجع الوزير إلى قصر الملك , يخبره بمضمون حلمه الذي مضمونه : أنَّ جلالته كان قد رأى في منامه ؛ أنَّ  السماءَ تمطر الثعالبَ !.

å انبسطت أسارير الملك ، فأغدق على الوزير بعشرة آلاف ليرة ذهبية .

فرح الوزير بالجائزة فرحة غامرة .. جعلته يتغافلُ عن وعدِهِ مع الحية .. بنشوة السَّكَر من بريق الذهب .. اغترارًا بالمكسب الثمين ، فكيف يتنازل عن نصف المبلغ للحية ، خاصَّة أن المسافة الشاسعة تحول دون قدرة الحية على مقاضاته !.

2ـ دارت الأيام وتوالت الأزمنة ، وإذا بالملك يستدعيه ثانية , يطالبُ تذكيرَهُ بمنامه الثاني ، وبجائزة ذهبية أخرى ؟!.

فلم يجد الوزير بُدًّا من العودة إلى الجبل .. إلى الصخرة ( وهو متيقِنٌ بأنْ لا جوابَ إلا عند الحَيَّةِ ساكنةِ الصخرة ) . أخبرته بمضمون الحلم الثاني .. بشرط نصف الجائزة الأولى والثانية .

فما أن تحققت غاية الوزير بمعرفة منام الملك ؛ حتى أعمته أنانيته مستهترًا بأمانة العهود المؤكدة بالأيمان ، فدفعته المصلحة الذاتية إلى مقابلة إحسان الحية .. بضربة حجر في يده , ليتخلص منها بعد الحصول على مراده ، مستأثِرًا بالجائزتين لنفسه .

عاد الوزير مزهوًّا إلى قصر الملك ، وذكَّرَهُ بحلمه الثاني .. بأنَّهُ رأى السماءَ تمطر الذِئابَ .

3ـ مَرَّتْ سِنون عديدة ، وإذا بالملك يطالب وزيرَهُ تذكيرَهُ بحلمه الثالث المنسي .

لم يجد الوزير مناصًا من اللجوء إلى صاحبة الفضل عليه والإحسان ؛ إلى الحية للمرةِ الثالثة .. مثقـَلاً بالندم المرير على خيانته لها ، ونقض العهود معها ، إضافة إلى ظنـِّهِ بأنها ستمتنع عن تلبية طلبه ؛ جزاءَ الاحتيال عليها مرتين .

دفعه تأنيب الضمير .. إلى حمل نِصْفَي الجائزتين ، بخجل مشوبٍ بصفاء القلب ، وضمير يتحرَّق ندمًا على ما فات .. عازمًا بحسن النية إلى سداد المليح بالمليح وإن كان متأخرًا . وما عليه إلاَّ أن يقدِّمَ إلى الحية اعتذاره الأسيف ، يرجوها مقابلة إساءته بكرمها وفضلها ... صَمَّمَ ومَضَى إلى الجبل ، فالصخرة .. واضعًا أمانة الجائزتين أمام جحرها ، يناديها بأعذب صوت ، وألطف كلام ، وأعمق الرجاء ...

أخرجت الحية رأسها من الجحر .. هاشَّة باشَّة ، وهي ترى حقها المنهوب أمام ناظريها ؛ هزَّتْ رأسَهَا برويَّةٍ على طريقة الحكماء وقالت : ليس العذرُ فيك يا صاحبي . فتلك مشيئة الله وحسن تصرفه بالكون ، وتقليبهِ أمور الحياة والإنسان !!..

فإن العهد السابق يا صاحبي ، كانت سِمَتُهُ الأنانية والكبرياء .. التي من خصالها : الحِيَلُ والخداع والرياء والكذب والنفاق و.. فهو المعنيُّ بحقبة تساقط الثعالب .

أعقبتها الحقبة الثانية بما هو أعظم وألعَنُ .. شابَهَا الظلم , وسلبُ حقوق الضعفاء ، ونشدانُ السعادة على شقاء الآخرين وإيذاءُ المقهورين ومَصُّ دماء الأبرياء ، وهتك أعراض المحصنات الغافلات !.

وعهد اليوم أيها الصاحب التائب ، في هذه الحقبة الثالثة ، وبقدرة مَنْ بيده التقادير : أن يرى الملك في حلمه الثالث ؛ أن السماء تمطر خرفانا !.

إنها الحقبة التي تتسم بإعادة المياه إلى مجاريها ، والحقوق إلى نصابها ، وإحلال الأمانة مكانتها وعزَّتها . إنها عهد الإنسانية ؛ بعودة الحقوق المسلوبة ، وانتشار عبق السلام والوئام .. على غرار لطافة الخرفان وطبيعتها الهادئة ، وهي تعيش بجوار أندادها بكل أمان .. بلا خصام ولا أضغان ولا حسد .. فالجميع يحافظون على حدودهم ، ويرضون بما قسم لهم القدر من رزق ، بعد السعي الدؤوب بما لا يضر الآخرين .

å وهنا أكمل محمدي عرفي ميري حديثه موجِّهًا القول إلى أولاده : أدعوكم إلى اختصار الحقب .. بالإخلاص في بذل الجهد والعمل في الحقبة الأولى /أولاً . إلى التفتق العلميِّ والإبداع في ساحاته في الحقبة الثانية من حياتكم ... فستأتيكم السعادة المنشودة في الحقبة الثالثة ؛ ثمرةً للغرستين السابقتين .

تعقيب :

في الحقيقة أقول : إن قسما من الحديث صحيح ، والقسم الأخر يحتاج إلى إعادة النظر بناءً على قول أحد المفكرين ، الذي ينص مبدؤه على أن أي عمل لا يمكن إنجازه أو تحقيقه إلا بتوافر شرطين :

أولهما : وجود الفكرة . وثانيهما : توفر الفرصة .

فالفكرة تنام ولا يمكن تحقيقها إلا إذا جاء الوقت المناسب للتحقيق .

وفي غياب الفكرة ؛ ربما تتوالى فرص عديدة لإنجاز أعمال محددة .

إذن ؛ يجب إيجاد الفكرة وتشذيبها وتنميتها لِتتبلور ، وتأخذ شكلها الانسيابي السليم ؛ أملاً في تحقيق الغاية المرجُوَّةِ .. وهو يحتاج إلى شَحْذِ الهِمَّةِ ، فالعمل الدؤوب على مسار الهدف .

ثم .. تأتي الفرصة المناسبة لتحقيق المقصود ؛ وفق مخطط الفكرة .

ولنضرب لذلك مثالا :

1ـ تمَّ الاتفاق مع الأهل "في غرفة الضيوف لدارنا بقرية برمجة " لتعويض مدفأة المازوت بمدفأة الحطب التي بالكاد يؤَمَّنُ وَقودها . وسيارة المازوت تمر بانتظام في القرية ، دون أيِّ إرهاق وتعبٍ . تلك هي الفكرة .

2ـ بدأت مرحلة الجـِدِّ والعمل .. وتمَّ تركيب مدفأة المازوت ، وأعِدَّ البرميل ، وجاءت العربة تملأه بالوَقود .. فصارت الغرفة جاهزة لاستقبال الضيوف بيسر وسهولة .

فالفكرة تمثلت بتوفير التدفئة . أعقبه العمل بشراء المدفأة وتركيبها ، وتحضير برميل لخزن مادة المازوت ، وتخصيص مبلغ من المال ، والترقب لقدوم صهريج المازوت

22 / 5 / 2007

====================

العمل النجيب

في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، بدأتُ بناء غرفة وصالون وتوابعهما في قريتنا برمجة , وبقي صب عدسة السقف حيث احتاج الأمر إلى ثلاثة أطنان من الإسمنت.

و للحد من استغلال المادة ,اتخذت الدولة إجراءات عدة لتنظيم التوزيع ،واعتمد على المجلس البلدي لتحقيق ذلك .

 حيث اشترط رفع عشر طلبات لمواطنين يحتاجون إلى تلك المادة (الإسمنت )كل دفعة مرفق بكتاب من مجلس البلدة المختصة إلى رئاسة المحافظة لالتماس الموافقة .

أعددت طلباً إفرادياً فاستثناني مجلس بلدة المعبطلي فحملتها إلى الرئاسة ملتمساً الموافقة ، وأحرزت نجاحاً  فكانت الموافقة على الطلب بتزكية من مسؤول من مجلس المحافظة كان على إطلاع للأعمال الكبيرة المنجزة في الشركة التي أعمل بها ، فكافأني  بمنحي موافقة إفرادية.

توجهت إلى محلة باب الحديد مركز انطلاق الباصات المتجهة إلى محلة المسلمية حيث معمل الإسمنت .

فأستقلت مكروباصاً وكان موقع جلوسي خلف السائق مباشرة وذهني مشوش إلى أبعد حد ، نظراً تعاملي سيكون مع فئات من المجتمع أحسنها السائقون وعمال التحميل , وكان جليسي في المقعد نفسه شخص من مدينة إِعزاز .

وصل الركب بنا على دوار محلة الميسلون فتوقف الميكرو لحمل رجل دين , ولما توسط ذلك الشخص الحافلة المكتظة بركابها ، تحركت واقفاً وطالباً من جاري إفساح المجال لأجلس مكاني  ذلك الشخص .

إلا أنه استنكر تصرفي وطلب مني أن أرتاح مفضلاً جلوس رجل الدين في مقعده هو ، لكن غيرنا كان قد سبقنا إلى تكريم ذلك الشخص فجلس مكان شابٍ متحمس .

مددت يدي حاملاً ورقة مالية وطالباً من مرافق الميكرو قبض أجرة رجل الدين ، فتدافع عدد غفير من الراكبين في سباق فريد في كسب الثواب ،فرجع يدي إلى جيبي عائدا بالورقة المالية .

و غاب عن ذهني أين ومتى ترجل رجل الدين إلى الحافلة , وباقترابنا من نهاية الخط , إذ استفسرت من السائق عن المسافة التي تفصل بين نهاية الخط والمعمل , فأفاد بأن المسافة لا يتجاوز1500م ، ولكن الجو حار وغبار المعمل يضيق الأنفاس , و يحدث الحكة في الجلد ، وأردفت بسؤال آخر أطلب منه إيصالي إلى المعمل من نهاية الخط تاركاً له حرية تحديد أجرته ...!

زعق السائق في وجهي رافضاً مستنكراً ، وهو يرغي ويزبد ، فتراجعت مقهوراً ، يعصرني الندم لتجرئي على سؤال السائق بإيصالي .!.

 توقفت الحافلة في نهاية الخط ، وترجلت مع الباقين التسعة المتوجهين إلى المعمل , وقفت حائراً ونفسي لا تطاوعني على المشي , وعيني معلقة على الحافلة التي قامت بالدوران نصف دورة عائدة , وأنا أسف على نزولي من الحافلة ، وأحس بأنني أسير في مشوارٍ لستُ أهلاً على إحراز أي نجاح في مسيرتي نحو الغموض ! .

لكن النجاح يأتي في اللحظات الأخيرة من المسيرة الصعبة الطويلة ، كما يقول أحد القادة المشهورين في النضال ، فيقول : لا تقطعوا الأمل ، مهما يكن الوضع صعباً فالنجاح تكمن في نهاية المسير الصعب .

فغر فاهي لقد حدثت المعجزة ، فبدل أن يكتفي قائد الحافلة بنصف دورة ، ويستعد لانطلاق باتجاه مدينة حلب ، أكمل سائق الحافلة دورة كاملة وتوقفت وبابها المفتوح في مواجهة صدري ، وصاح طالباً صعودي . فتلفت نحو درب المعمل ، ورجوت السائق أن يصطحب باقي القاصدين إلى المعمل معه ، والذين كانوا برفقتنا ، ما دمت سأتحمل عبأ المشوار الخاص .

على باب المعمل مددت بورقة المائة إلى السائق ، فدفعها نحو صدري بلطف شديد ، وطلب مني مسا محته على ما بدر منه .

في المعمل وقفت بعيداً ، حيث تتقاتل الجموع مستميتة في الوصول إلى النافذة ، التي يقبع خلفها الموظف المسؤول ..ومقرر الدور في استلام تلك المادة الصعبة المنال .

و تساءلت جهراً : لم أخلق لمثل هذه المهمة !.

و بلغ بي الإحباط إلى أدنى درجاته يائساً مستسلماً .

انقسمت نظراتي بين الفريق المتدافع أمام النافذة ، ومدخل المعمل .. في كيفية الخروج من هذا المأزق .

اقترب مني شخص وهمس قائلاً : ماذا تريد ؟.

أجبت : القاصد إلى هنا هل يبغي غير الإسمنت ؟.

قال : إلى أي مكان ؟.

قلت : باتجاه مدينة عفرين ، بعد مركز ناحية المعبطلي ، والمسافة تسعون كيلو متراً من هنا .

قال :2500 ل.س أجرة وستصلك صباح غد . ناولته بطاقة الاسمنت مدفوع القيمة , فأخذها وابتعد عني .

انزاح هم ، وسيطر علي هم جديد !. لقد فعلت مثل جحا عندما اشترى معلاقاً وطلب

من اللحام طريقة طبخها . فكتبها له على ورقة , وفي رحلة العودة إلى قريته , ارتاح جحا قليلاً تحت ظل شجرة ، ووضع المعلاق على حجر بالقرب منه , وإذا بغراب ينقض عليها ، ويطير بها بعيداً .

فلم يبال جحا بما جرى بل قال : مادامت الورقة معي فلا يهم .

وراودتني فكرة : وإن لم يأتني بالأسمنت ماذا أفعل ؟

وحتى اسمه لا أعرفه.! .

وحدث المعجزة الثانية :

صياح عال يقطع سلسلة أفكاري : أسـتاذ  محمد !.

تطلعت نحو المدخل ، وإذا بباب سيارة بيك آب بيضاء صغيرة حكومية مفتوح من جهة السائق ، وترجل منه رجل أبيض الشعر ، يركضُ باتجاهي , و بعدما سلمَ علي وبعد أن فهمَ مرادي .

صاح بمستلمِ بطاقتي , وبمحادثة بسيطة معه ، أجاب على كل التساؤلات التي كانت تشغل ذهني ، بل وفر علي خمس  الأجرة ، وأعادني إلى المدينة مكرماً .

إنتقالي بالمكروباص من نهاية الخط إلى باب المعمل ، وامتناع السائق عن أخذ أي تعويض . وإعادة الطمأنينة إلى نفسي للمعرفة التامة بين ذو الشعر الأبيض وصاحب شاحنة النقل التي سيحمل لي الإسمنت إلى قريتي .. و إعادتي إلى المدينة من المعمل مكرماً .. كل ذلك كرمت به... لأنني بدأتُ بعمل كان المقصود فيه تقدير رجلُ دين لوجه Q .

برمجة :1990

22 / 5 / 2007
 

=================

إنها حَرْبٌ داخلَ الشاحنة

عمل والدي بتجارة العنب عام1953 ( يَوْمَ ما كانت منطقة عفرين مشهورة بكُرُومِهِا ) متعاقدًا مع المدعو : مسيو موريس ، لإَمْدَادِ معملِهِ في بيروت بأحمال العنب . والشرط الوحيد للتعاقد : تقييم سعر القنطار بنسبة الحلاوة في العنب .

شمل حجم العمل معظمَ أنحاء منطقتنا ، واستوعب شَغْلَ الفرقِ الكثيرةِ من العمال لِجَنْي العنب في أماكن متفرقةٍ متراميةٍ ، وتحميله في الشاحنات ، مما جعل والدي يتنقـَّل في الطرقات غير المعَبَّدة بين مواقع العمل المتباعدة وقتئذٍ .

أيَّامٌ مَرَّتْ مثقلة بأعباء العمل المضني ، وجاء خبرُ وقوفِ شاحنةِ العنب على الحدود السورية اللبنانية ، بسبب إضراب العاملين في سلك الجمارك اللبنانية .

اضطرَّ والدي إلى التوَجُّهِ على عَجَلٍ باتجاه الحدود ، فوصلها بعد أربعة أيام .. وما أنْ ترَجَّلَ من السيارة ؛ حتى فوجئَ بسائق الشاحنة يسرع نحوه مرتبكًا ، يُخبرُهُ عن حَرْبٍ .. يدورُ رحاها بين حيواناتٍ داخلَ الصناديق المكدسة على الشاحنة ، وتُسَبِّبُ خسارة فادحة من عصير العنب الهادر من الجوانب السفلية للسيارة .. وبعد تَقَصِّي الحقيقة ؛ تبيَّنَ أنَّ عماله العاملين في ناحية شيخ الحديد " قد توَلـْدَنُوا " بوَضْع سلحفاةٍ أو أكثر داخلَ كل صندوق مع العنب !.

انفرجت الأزمة في اليوم الخامس .. بفضل انتشار الرائحة الواخزة من عفونةِ العنب .. التي أفسدت الأجواء على الجمارك اللبنانية ، فأخلـَوْا سبيلَ الشاحنة المأسورة .. تخَلـُّصًا من أذاها المنتشر ببركات السلاحف !!.

تابع والدي حديثه قائلاً : غادرنا الحدود نحو بيروت ، وأثقالٌ من الهموم قابعة على تفكيري عن خسارة تلف العنب " عفسًا واعتصارًا " ، وليس في اليد حيلة !..  

وصلنا المعمل على حَيَاءٍ وَوَجَلٍ .. واطـَّلع موريس صاحب المعمل على الحقيقة ، وطمْأنني أنَّ في مقدوره اسخراجَ نسبة الحلاوة قبل التعفن ، وسيحاسبني على أساسها .. فانكشفت خيمة الخوف من الخسارة عن سرورٍ خافِتٍ هادئٍ ..

بل زاد السرورُ ابتهاجًا ؛ أنْ اشترى السيد موريس كلَّ سلحفاةٍ بخمس ليراتٍ لبنانيةٍ .. " هي ثمَنُ شاةٍ يومَذاك " . فانقلبَ مَقلـَبُ العمال ، بقدرة القادر الخبير بعواقب الأمور .. إلى أرباح مضاعفةٍ من بيع السلاحف .. التي لولاها ؛ لذهب العصير هدرًا من جراء إضراب العاملين في جمارك لبنان ، ولعُدنا خاسرين صفر الأيادي .. لكنهم لعبوا في عملهم عبثا ، فعوَّض اللهُ تعالى استهتارهم أرباحًا مضاعفة !!..

تمَـرُّدُ مُراهِــقٍ
حدثني شيخ منان جوخدار من قرية شران ، فقال :

تمرَّدْتُ على والدي وأنا يافع ، فيمَّمْتُ وجهي شطرَ مدينة حلب .. قاطعاً المسافة إلى كفرجنة مشياً على الأقدام ، لمسافة تزيد عن 5 /كم ، إذ لم يكن السيرُ متوفراً ذلك الزمن بين قرية شران ومدينة حلب .

فانتظرتُ مرورَ الباص ( poste البوسته ذات المقدمة البارزة ) القادمِ من عفرين باتجاه مدينة حلب .. صعدتُ الباص ، يقودني إلى هذه المدينة العريقة  تمرُّدِي على الواقع نحو المجهول .. ويشُدُّنِي إلى الوراء أمانُ الدِّفْءِ في أحضان العائلة .. لكنَّ جُمُوحَ التمرد طغى على كل معقول وقتئذٍ .

وصلتُ حلب ، ونمت في خَـان الحاج محمود في باب الجنين .. فراشي ولحافي ومخدَّتِي أكياسُ الحنطة الفارغة !. وفي الصباح الباكر توجهتُ إلى شارع بارون حيث فندق " أوتَيْل بالاس " ، يَرْتادُهُ عِلـْيَة القوم من منطقتنا .. أملاً في أن ألتقي بالوجيه علي أكرم ؛ صديق والدي ، وكانت مخيَّلتي قد لفقت قصة مفادها " أنَّ والدي أرسلني إليه ، ليتوسَّطَ في إيجاد عملٍ لي بحلب " .. فاستغرب الطلب متعَجِّبًا من الأمر مستنكرًا الموضوع !.. ولم يكن يومئذٍ وسيلة للتأكُّد من والدي ؛ فتململ قليلاً .. ثم شاء القدر أن تلمحَ عيناهُ شخصيَّة البَيْك الحَلَبي : سعيد صائم الدهر مُتَرَبِّعًا على الطاولة المجاورة .. فاضطرَّ لمحاكاته قائلاً : يا سعيد بيك ؛ إذا ممكنْ شَغـِّل هالولد عندك في المعمل ؟!..

فأرسلني البيك إلى معمل غزل القطن ونسجه بحيِّ السَّبيل . وفي المعمل .. وما أدراك ما المعمل !!.. قادني رئيس الوَرْدِيَّةِ إلى عامل يُدَرِّبُني على واجبات العمل وكيفيته .. بلغته العربية ، التي أجهلها كلـِّيًّا ، إضافة إلى الجَوِّ المُوحِشِ الذي أعايشه بهذا التشَرُّدِ الذي فرضتُهُ على نفسي بعبَثية المراهقة ، مع البَوْن الشاسع في الزخرف الحضاريِّ بين الريف المتخلـِّفِ ، والمدينة الزاهرة بالرقيِّ والمدنية .. حتى آلََ الأمرُ بمُدَرِّبي إلى أنْ يَتَحَوَّلَ من الدور التعليميِّ .. إلى المستهزئ الساخر المهين .. مع سائر زملائه !!.

حشرتُ نفسي في مأزقٍ لا يُحْسَدُ عليه ، ولا أتمناهُ لأي إنسانٍ .. معاناةٌ من صنوف الإذلال والمهانة في مسلسلاتٍ بلا حدود .. لو مورستْ إحداها في محيط قريتنا ؛ لتسَبَّبَتْ قتالاً شرسًا غيرَ محمود العواقب .

اجترَرْتُ ذلك جزاءً وِفاقاً لعنادي ، ولِغَضَاضَةِ مقرراتي الهوجاء . ودار الزمنُ شهراً ونَيِّفاً ، وأفانينُ المضايقات والمذلاَّت تحتدمُ يومًا بعد يوم .. وتتوالـَي

الأيام ثقيلة مرهقة ، حتى تعمَّمَتْ سهامُ الإهانات من جميع عمَّال الوردية دون استثناء .. ما عدا واحدٍ منهم ؛ يفاجئني يومًا بالاقتراب مني " على غفلة من زملائه " يُسَاررُني بكونه من أبناء منطقتي ، لكنه يخفي ذلك عنهم ؛ تفاديًا من شرِّ هؤلاء المستهزئين بأمثالنا .. فأحسَسْتُ بنوع من القوة ، خاصة وهو يهمس إليَّ بالمؤازرة عند الإيجاب .

عادَ إليَّ رُشْدِي ، وثارتْ في نفسي حَمِيَّة الغيرة على كرامتي ، فصَمَّمْتُ على الدفاع عنها في أوَّلِ مَذلـَّةٍ لاحقةٍ ، ولم لا ؟!. ومعي سَنَدٌ من أبناء منطقتي ؟!.

كان اليوم التالي ، وشاء القدر أن تأتي ساعة الحسم في المعمل .. إذ يدنو مني أحدُ المتطفلين ، ويَمُدُّ يَدَهُ باستهجانٍ إلى عورتي !!..

اسوَدَّتِ الدنيا أمام عينيَّ ، وثارت ثائرتي بحركة سريعة نحو عَصىً غليظٍ من أعواد الأنوال المعطوبة .. المرمية في زاويةٍ من المعمل  ، وهَوَيْتُ بهِ على رأس المتحرِّش الساخر .. فدَوَّتْ منه صاعقة الثور المجروح ، وطغى صراخُهُ على صوت آلات المعمل ، والدماءُ تنسكب على وجهه وسائر بدنه ..

انتبه جميع العمال إلى مصدر الصراخ وحال زميلهم !. فكان استنفارُُهُم  بالتدافع نحوي كالسيل الهادر .. ينصرون زميلهم المصاب . فلم أجدْ بجانبي إلاَّ ابنَ منطقتي متدابرَيْن .. وواقفَيْن أمامهم ، دون كومة أعواد الأنوال ، تتوالى ضرباتنا بالأنوال الخشبية على رؤوس كلِّ هاجمٍ ، فنسقط الواحدَ منهم تِلوَ الآخر ، كَما السَبْعُ يدافع عن عرينه ..

ولم تنته المعركة إلاَّ على صوت صاحب المعمل ، وهو يقوم بجولةٍ تفقديَّةٍ . وكان ذلك إيذاناً بتقرير مصيري في معملِهِ . لكنَّ حِكْمَتَهُ اقتضَتْ تَخْييري بين البقاء في هذا القسم ، أو الانتقال إلى مكانٍ آخر من المعمل .. ، فاخترتُ تركَ العمل احتفاظاً بما تبقىَّ من كرامتي . فأوْعَزَ إلى عامل الأجور ، ومنحوني حقي كاملا ، وتحَرَّرْتُ من أسْر الذلِّ والمهانة .

توجهتُ من المعمل مباشرة إلى باب الفرج مركز باصات السفر ، فكان ثمَّة متسعٌ من الوقت لانطلاق الباص نحو عفرين ، فآثرتُ إملاءَ الفاصل الزمنِيِّ بجولةٍ أخيرةٍ فضوليةٍ في أسواق هذه المدينة العامرة .. وقادتني قدماي إلى مكان  البَسْطات المتنقلة ( المعروضات ) في باب الجنين ..

وكان وقوفي بعفويةٍ على بسطةٍ للسمك ، أرقبُ صاحبَيْهَا في كيفية تسويق بضاعتهما .. صياحًا من أحدهما .. ووَزْناً من الآخر .. ترغيبًا في جلب الزبائن على عادة البيَّاعين في مثل هذه الأسواق ، حتى فوجئتُ بصَيْحَةِ أحدِهِما لِي قائلاً : الرطلُ .. بخمسةٍ وعشرين قرشاً !!. وهو يعرض عليَّ سمكة بعد سمكةٍ ، ثمَّ يضعها في كفة الميزان ذي الساقين الطويلتين ، وفي الكفة الأٌخرى معيار خمسة أرطالٍِ ( ما يساوي 16 /كلغ تقريبا ) ، ثم يفرغان الموزونَ داخلَ كيس الخيش ، وقذفا الكيس أمام قدمي ، ويَمُدُّ أحدُ البائعين يده نحوي طالباً مني مبلغ مائة وخمسة وعشرين قرشاً ؟!... تمَّ كلُّ هذا ، وأنا منذهل عمَّا يجري ، وهما يفرضان عليَّ الشراء فرضًا .. استصغارًا بسذاجتي وسلامة فطرتي .. وابن المدينة عفريت خالصٌ يتجبر على أمثالي من البسطاء .

ولما تيقـَّنَا من فضوليتي ، وعدم رغبتي في الشراء ؛ انهالا عليَّ باللكمات المتواليات ، وأنا أدافع عن نفسي عبثا .. إلى أنْ تَعِبَا ، وتوَقـَّفا عن القتال مسترخِيَيْن على الأرض .. وتعبتُ أكثر منهما .. لكنَّ فترة الاستراحة لم تطل ، وها هما قد عادا إلى قتالي ثانية ، فأيقنتُ أنْ لا مفرَّ من هذا الموقف الصعب ، إلاَّ بشراء السمك ، فأشرتُ إليهما بالموافقة ، فتوقفا عن الصراع .

فتحتُ كيسَ النقود بحسرات قاتلةٍ ودموع مؤلمةٍ . فدفعتُ إليهما المطلوبَ ، وحملتُ كيس السمك على ظهري .. قاصدًا باص الانطلاق في باب الفرج .. فنُغادرُ مدينة حلب بعد العصر ، لأصِلَ موقفَ كفر جنة بعد العشاء ، فأترَجَّلُ من السيارة .. حاملاً كيسَ السمك على ظهري متوجِّهًا نحو قريتي شَرَّان سيرًا على الأقدام ..

ولا تسألْني عن الماء الزَّنِيخ .. الذي يترشَّحُ من السمك إلى سائر أنحاء جسمي .. ولا عن الإرهاق في حمله لِمسافة 5/كلم ليلاً !!.. ويكفي أن تعلم أنَّ هذه النتيجة المزرية .. مصيرُ كلِّ متعجرفٍ عنيدٍ متمرِّدٍ على كيان الأسرة التي تعشعش في أكنافها ظلالُ الأنس والراحة ..

تِلـْكَ الكلمة الأخيرة أقدمها لِذوي الألباب : ماذا ينفعني ، وأنا ما زلت أشعر بمرارة موقفي المذكور حتى اليوم ؟!.. فهل مِنْ معتبرٍ ؟!..

يجاوز الشيخ 77 من العمر

قرية شران ، صيف 2003


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar