الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Fri - 3 / May / 2024 - 4:12 am
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/m-kamel.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة التاسعة

الشيخة  حنيفة

تقول الحكاية :

   في منتصف خمسينيات القرن العشرين، وفي منطقة "جبل الكرد" ( عفرين  حالياً )، والواقعة في شمال سورية،وفي قريةٍ بعيدة من قرى المنطقة الجبلية، ظهرت بدعة الشيخة ( حنيفة )، والتي تطوّر بها الأمر فقال الناس عنها (النبيّة حنيفة )، وذلك لأنّ الناس سمعوا منها وعنها ادّعاء النبوّة ، وسمعوها تستغيث منادية السيّدة فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام،وهي تقول بلغتها الكرديّة :

يا أختاه ، يا فاطمة ،تعالي وساعدي أختك حنيفة ،لقد تعبت من كثرة لقاء الأحبّة القاصدين بابي طلباً للبركة .

   ومن شدّة بساطة الناس المحيطين بها صدّقوها، ولم يخطر ببال أحد منهم ، ولا ببال الدّعية أنّ فاطمة بنت رسول الله لا تعرف الكرديّة ، وكان اعتقادهم يسهّل لهم تصديقها ، فما دمت مسلما فأنت تستطيع مخاطبة الأنبياء والرسل والصحابة الكرام جميعاً بلغتك الأم مهما كانت .

   وهذا يكمل حكايتنا التي بدأت حين أفاق أهل قرية الشيخة حنيفة على خبر يقول :

   إنّ السيدة فاطمة الزهراء عليها رضوان الله،قد زارت السيدة حنيفة بنت قريتهم بينما كانت بين اليقظة والمنام ،وأنها قالت لها بعدما سلّمت عليها أحرّ السلام ،أنت أختي في الله، قولي للناس ذلك،وقد وضعت في كفّك الأيمن بقعة خضراء إشارة منّي لزيارتك ، فاظهريها لمن لا يصدّقك .

   وسمع أهل القرية الخبر وتناقلوه بين الدّهشة والاستغراب،والتصديق وعدم التصديق، وحين وصل الخبر إلى شيخ جامع القرية،وهو شيخ يعرف قراءة القرآن دون كتابته،تعمّم بعمامته الكبيرة، وجاء إلى منزل السيدة حنيفة سائلا عن الخبر،ولما قالت له السيدة المذكورة ما قالت،وأرته كفها والبقعة الخضراء التي فيها،نظر إلى الكفّ المبسوط أمامه طويلا ، ثم هزّ رأسه المعمّم ، وقال :

صدقت يا أختاه ،فاللون الأخضر رمز النبوّة،وهي إشارة الأنبياء والصالحين وأهل الكرامات.

   ودوّى الخبر في القرية، وصدّق من كان يشكّ ،وراح الجميع يأتي إلى السيدة حنيفة مظهراً الطاعة، طالباً الرضى ونوال البركة ، وهكذا انتشر الخبر سريعاً في القرى المجاورة ، وصار أهلها يأتون لزيارة السيدة حنيفة لنيل بركتها ، وصار الجميع ينادونها بالشيخة حنيفة ، وتطوّر الأمر فصار هناك من يناديها بـ "النبيّة " حنيفة .

   في البداية كانت تستقبل الناس فرادى ، ثم صار الاستقبال جماعاتٍ جماعاتٍ، وصار ظهورها للناس في أوقات معيّنة ، وحدّد لها موعدان للظهور والخروج للقادمين ، موعد صباحيّ وموعد مسائي ،ّكانت تخرج للناس فيهما،وكانوا يستقبلونها متمدّدين على الأرض أمامها لتدوس عليهم ، بل وراحت تمشي فوقهم ، وهم فرحون بذلك ، إذ أن ملامسة أقدامها لأجسادهم كانت تبعد عنهم الأمراض والآلام .

  وهكذا عم خبر "النبيّة " وانتشر، وراح الناس يأتون إليها من أماكن بعيدة ، ومن محافظات سوريّة كافّة،وراحت السيارات الغريبة تقطع شوارع عفرين وهي تسأل الناس عن الطريق الذاهبة إلى قرية النبيّة المزعومة .

   وما مرّ شهران أو أكثر قليلا، حتى أصبحت قرية النبيّة سوقاً كبيرة، يزدحم فيها الناس والسيارات والدوابّ ، وصار فيها بيعٌ وشراءٌ وناسٌ يبيتون في العراء، وناساً ينزلون ضيوفًا على أهل القرية، ضيوفاً بحكم  الفرض،حتى ضجّ أهل القرية وراحوا يشتكون سرّاً من هذا الازدحام الشديد، فالشكوى الظاهرية قد تجلب عليهم غضب الشيخة ، وفي ذلك ما فيه من خطر قد يكون ربّانياً، والشيخة غير عابئةٍ بأحد، تتابع ظهورها اليوميّ الصباحيّ والمسائيّ للناس،والناس ينتظرون ذلك الظهور بصبرٍ وفرح ، ويتمدّدون أمامها حين تظهر ، فتمرّ عليهم ماشية ، وهي بين كل ذلك تتقبّل الأعطيات، وما يجود به طالبوا البركة والرضى،ولا تنفكّ عن ترداد اسم الزهراء واسم الرسول الكريم بمناسبةٍ ومن دون مناسبة .

   وازداد انتشار خبر النبيّة التي ظهرت في جبل الكرد، وازداد قدوم الناس إليها من سورية ومن خارج سورية أيضاً،وراح البعض ينقل عنها وعن كراماتها ما يصدّق وما لايصدّق،وكاد الناس يفتنون بها وبكراماتها المزعومة .

  ويوماً فاجأ الجمع المحتشد في القرية ، رجال شرطة جاؤوا وأحاطوا بمنزل السيدة الشيخة  "النبيّة " حنيفة،وأخرجوها من بيتها ومن بين المحيطين بها، ووضعوها في سيارة وساروا بها مبتعدين، أمام أنظار مريديها وزوّارها وطالبي بركاتها، وكان الجميع ينتظر منها أن تظهر كرامتها بأن تتوقف السيارة التي تقلّها أو تتعطّل ، أو أن تتجمّد أيدي رجال الشرطة التي امتدّت إليها، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وسارت السيارة بها بهدوء، وأوصلتها إلى حلب حيث أسكنت داراً فيها، ومنع عليها العودة للقرية، أو استقبال الناس في بيتها باسم التبرّك أو غير ذلك .

   وهكذا انتهت فتنة الشيخة حنيفة، أو" النبيّة " حنيفة، وهكذا عاشت في حلب سنوات طويلة، ويروى عمن زارها في شيخوختها وبعد ما يقارب الأربعين سنة من نفيها ذاك، أنها أخبرت بخبر (تيسٍ )ظهر في بلدة ( البوكمال )، وأن حليبه يشفي الناس من كل الأمراض، وأن الناس يقصدون بلدة ( البوكمال ) ليشربوا حليبه ويشفوا من أمراضهم وعاهاتهم .

   يروى عنها أنها حين سمعت ذلك ،ابتسمت ولم تعلّق بشيء، وقال آخرون بل قالت ـ على الأقل كنّا بشراً  فصدّقونا ـ ، وقال آخر، بل قالت : يجعل سرّه في أضعف خلقه .

وعلّق خبيث حين سمع الخبرين ومصدّقيهما :

                 (  هكذا ناس ! بحاجة لهكذا كرامات !  )

 -------------------------------

 عضو  لجنة

    تقول حكايتنا الجديدة ، وهي من منطقة الحكاية السابقة ، وكان بطلها من قريةٍ مجاورةٍ لقرية بطلة الحكاية السابقة :

   عندما قامت الوحدة بين سورية ومصر عام 1958م، تم تشكيل منظّمة سميت بالاتحاد القومي، وقد تم تشكيلها بأوامر وتوجيهات من القيادة العليا ممثّلة بـ"  جمال عبدالناصر"، وذلك لتحلّ محل الأحزاب التي كانت قائمة في سورية بخاصّة،وبسرعة تشكّلت للاتحاد ذاك فروع وشعب ووحدات،ومن ثم تم اختيار أعضاء لتمثيل المحافظات والمناطق ومن يجب تمثيله في مجلس الأمّة الاتحادي، الذي حددّ مركزه في القاهرة عاصمة الاتحاد .

 ومن هنا تبدأ حكايتنا التي تقول :

   تمّ اختيار أحد "أغوات " أو أحد وجهاء منطقة "جبل الكرد " عفرين حالياً " لتمثيل المنطقة  ضمن من اختير، وليكن اسمه " أحمد آغا" ، وكان أحمد آغا هذا أمّياً لايقرأ ولا يكتب،وقد احتلّ مكانته بقوّة رجاله،وكان قاسياً لا يرحم مناوئيه ، وعرف عنه أنه قتل منهم من قتل، وبخاصّة أيام الانتداب الفرنسي الذي كان متعاوناً معه .

    وهكذا سافر" أحمد آغا "ضمن من سافر إلى القاهرة ليمثّل منطقته في مجلس الأمّة الاتحادي،وهكذا حضر" أحمد آغا " أولى جلسات المجلس، وهكذا ولا يدري كيف ؟ وجد نفسه عضواً في لجنة اسمها " لجنة الثقافة والعلوم والآداب " ، وهكذا ذهب إلى القاعة المخصّصة للجنة المذكورة ليحضر أولى جلساتها .

   ودخل " أحمد آغا " إلى قاعة اللجنة ، وجلس بين الجالسين حول طاولةٍ طويلةٍ كانت في القاعة، وبعد أن خلع طربوشه الأحمر ووضعه أمامه على الطاولة، وبعدما مسح عرقه بمنديل كان لا يفارقه،راح ينظر حوله وإلى من في القاعة متفرّساً في وجوههم واحداً واحداً،ودفعه الفضول وحبّ الاستكشاف لمعرفتهم ، فسأل جاره في المقعد الذي بجواره مشيراً إلى أحدهم، وكانت تبدو عليه علائم الفهم والنباهة :

 من هذا ؟

ـ هذا يوسف السباعي ، الكاتب المشهور .

ـ همم ! وذاك الذي بجانبه ؟

ـ ذاك نجيب محفوظ  وأنت تعرفه لاشك .

ـ هممم ، وذاك الذي بطرف الطاولة البعيد ؟

ـ عجيــب أمرك ! هو محمد حسنين هيكل ، ألا تعرفه !

ـ همممم ، أعرفه ، أعرفه ،ولكن قل لي من ذاك الذي أمامه ؟

ـ ذاك إحسان عباس ، ألا تعرفه أيضا ؟

ـ والذي بجانبه ؟

ـ هو العالم الفلاني ،

وسمع " أحمد آغا " أسماء أخرى ، أسماء كتّابٍ وعلماء ومفكّرين ، منهم من كان قد سمع بهم مصادفةً ، ومنهم من لم يسمع بهم بتاتاً،لذا فكّر قليلا ، ثم قام ووقف ،وبعدما رفع طربوشه  ووضعه على رأسه  ، خاطب الحضور فقال :

   أنا " أحمد آغا " ممثّل "جبل الكرد "من سورية،جئت لحضور جلسات مجلس الأمّة ممثلا لمنطقتي، فوجدت نفسي عضواً في لجنة الثقافة والعلوم والآداب، ولعلمكم فأنا رجل أمّي لا أقرأ ولا أكتب،وأنا لذلك لا ثقافة عندي مثلكم ، ولا علوم عندي مثلكم ، أما عن الآداب فأنا مؤدّب جداً والحمد لله ، لذلك أقول لكم وداعاً ، فمكاني ليس هنا .

-------------------------------

أرزاق   مقسومة

تقول حكايتنا :

  كان الوقت أواخر الصيف ، أوان نضج الفستق الحلبيّ وقطافه ،وكان عدد من الفلاحين العمّال يقطفون الفستق الناضج من كرم واسع جدّاً لمالك من مدينة حلب ، وكان هذا شائعاً فالتجّار الحلبيّون كانوا ينوّعون مصادر دخلهم .

   وكان العمل يبدأ من شروق الشمس صباحاً، وإلى ما قبل المغيب بقليل، لذا كان العمال يأخذون " زوّادات " طعامهم معهم ، أو يأتيهم بها بعض أهليهم وقت الإفطار، أو وقت الغداء ، وكانوا مقابل ذلك العمل الذي يستغرق نهارهم كله ، لا يحصلون إلا على أجور زهيدة،وبالمناسبة كانت الأسعار في ذلك الوقت الذي جرت فيه حكايتنا رخيصة عموماً، فقد كان ذلك في أواخر أربعينيات القرن العشرين .

   وكان الفستق الذي يقطف، يوضع في صناديق خشبيّة مفتوحة تسمّى في حلب بـ " سحّارة "، وكانت هذه " السحاحير " تحمّل على ظهور الدواب من حمير وبغال، وترسل إلى حلب حيث الخانات التي تباع فيها كل بضاعة .

   وكان صاحب الكرم موضوع حكايتنا - وكانت عنده كروم أخرى - كان يأتي يومياً من حلب راكباً " حمارة بيضاء " ،واضعاً على رأسه طربوشه الأحمر وتحته منديل كبير، ليحمي الطربوش من العرق وبالتالي من التلف السريع،وكان يضع في خرج على ظهر" حمارته " طعامه اليوميّ، وكان مؤلّفاً في الأعمّ الأغلب من رغيفين من الخبز الحاف وبعض حبّات الزيتون أو البندورة أو الخيار ، كلّ منها كان يأتي به مفرداً، ولا يجمع بينهم أبداً، وكان يراقب العمال القاطفين بعينيه اليقظتين حتى انصرافهم من العمل ، فيعود مع قافلة الدوابّ التي تحمل الفستق المقطوف ، ليوصلها إلى الخان الذي يبيع فيه بضاعته .

   كان هذا دأبه كل يوم وطيلة أيام القطاف، وكان بخيلا شديد البخل، لم يخطر له يوماً أن يولم وليمة لهؤلاء العمال البؤساء ،الذين يعملون عنده أياما كثيرة ولو من باب الزكاة ،وكان يعلم هو وهم ،أنّ المالكين الآخرين يولمون لعمّالهم ولائم الشواء ، والذي نادراً ما يأكله الفلاحون .

   وفي يوم من أيام ذلك الموسم، وكان موسماً خيّرا، تأخّر صاحبنا المالك " البيك" وهذا كان لقباً للملاّك من المدن، تأخّر في الحضور إلى الكرم ومراقبة العمال قاطفي الفستق، تأخّر كثيراً حتى ظنّ الجميع أنه لن يحضر لسببٍ ما ، لذا توقٌف أحد العمّال وقال مخاطباً وكيل المالك والجميع :

 اسمعوا أيها الناس وبخاصّة أنت أيها الوكيل !

ـ هات وقل فنحن نجيد الاستماع ، وخاصّةً بعد هذا العمل الشاق منذ الصباح .

ـ سأقترح عليكم  اقتراحاً يقول بأن نأخذ  مقدار" تنكتين" من الفستق ونبيعه في بلدة "مارع" القريبة ، ونشتري بثمنه لحماً مشويّاً لغدائنا .

قال الجميع صائحين فرحين :

هو كما قلت ، و"البيك" لن يحضر ، والوكيل لن يغضب ، و"البيك" يستحقّ أن نفعل ذلك، فهو لا يخطر له أن يفعله .

وقال الوكيل :وأنا معكم وسآكل معكم أيضاً .

   وهكذا وبسرعة ذهب اثنان بالفستق إلى بلدة " مارع " ،وعادوا بالشّواء تفوح رائحته فتثير في النفوس جوعاً ورغبة في الأكل ، وبسرعة مدّ الرجال بساطاً على الأرض ،ووضعوا فوقه الطعام الساخن وجلسوا يأكلون .

   ولكنهم وربما لسوء حظّهم أو لأمر لا يدرونه ، ما كادوا يتناولون لقيماتٍ قليلةٍ ، حتى أهلّ عليهم "البيك" راكباً " حمارته البيضاء"، وبسرعة أيضاً تدارك أحد العمّال الأمر فنادى " البيك" بإلحاح ، طالباً منه الانضمام إليهم وتناول الطعام معهم ، فالخير كثير والحمد لله .

   ولم يمانع " البيك "كثيراً ، فانضمّ إليهم، وجلس بينهم، ومدّ يده وتناول أول لقمةٍ من اللحم المشويّ الذي كان أمامه،وظلّ يمضغها في فمه دون أن يستطيع ابتلاعها ، والعمّال لاهون عنه غير ملتفتين إليه ، همّهم أن يشبعوا من هذا الطعام الذي لايتوفّر لهم إلا نادراً .

  وظلّ " البيك يمضغ اللقمة في فمه وينقلها من طرفٍ إلى طرفٍ في فمه طويلاً ،  دون أن يستطيع ابتلاعها  ، لذا توقّف عن المضغ وقال مخاطباً الجميع :

قولوا لي " بصلاة محمد* عليكم" أليس هذا الطعام الذي تأكلونه من مالي أنا ؟

   وبهت الجميع ووقفوا صامتين ،فهم لايكذبون عادة ، ولا يكذبون بخاصّة إذا استحلفوا بصلاة محمد عليه الصلاة والسلام ،لذلك قال أحدهم وكان صاحب الاقتراح الأول :

صحيح ما قلته يا "بيك " ما نأكله هو من مالك وثمن فستق بعناه من كرمك ،ولكن قل لنا أنت

كيف عرفت ذلك ؟

قال " البيك بحزن شديد :

لأني لم أستطع ابتلاعه يا أولادي ،صحيح أنّ الذي ترونه حولكم مالي، ولكنه ليس مقسوماً لي ، لذلك فأنا أرعاه ولا أستطيع الأكل منه ، أعرف أني أجمعه لغيري ، ولكن ماذا أفعل ؟ يبدو أنّ هذا هو قدري .

   سكت العمّال جميعاً ، سكتوا شاعرين بالعطف عليه ، ولم يخطر في بال أحدهم أن يسأله :

"بيك" لماذا لا تتبرّع ببعض نتاج أرضك للفقراء والمحتاجين إذاً ؟ لتكسب ثوابا عند الله ؟

 -------------------------------

أكول

    روى لي صديقي الحلبيّ الحكاية التي كان شاهد عيان عليها فقال :

   كنت صبيّاً في حوالي الثانية عشرة من عمري ، وكنت أساعد والدي في محلّه الذي يبيع فيه حلويات " الكاتوه" ، في محلّه في شارع (النيّال) في حلب ، كنت أساعده وأتعلّم منه المهنة في أوقات فراغي من الدراسة ، وفي فصل الصيف كلّه .

   كنّا نصنع تلك الحلوى في المنزل ، ونبيعها في المحلّ، وكانت القطعة تباع بعشرة قروش سورية ، فقد كان كل شيء رخيصاً، كانت البيضة البلديّة بخمسة قروش أو نحو ذلك .

  يوماً وكان الوقت ربيعاً، دخل المحلّ بدويّ قادم من البادية، وبعد السلام خاطب والدي سائلا :

بشگدّ تشبّعني ؟ (أي بكم تطعمني حتى الشبع ؟)

   ويبدو أنّ والدي حسب بذهنه حسبةً بسيطةً، توصّل بنتيجتها أنّ أقصى ما يستطيع هذا البدويّ أكله من قطع "الكاتوه" هو عشر قطع ، أي ما يساوي ليرة سورية واحدة، ويبدو أنّه طمع بربح إضافيّ يكسبه من هذا الغشيم الذي ساقه الله إليه ، فقال له وهو يغمزني إشارةً لصفقته الرابحة ، ووجوب فهمي لهذه الصفقات الرابحة :

أشبّعك بليرتين .

  وبهدوء أخرج الرجل من جيبه ليرتين سوريتين، ومدّهما لوالدي وهو يقول :

على عيني وعلى رأسي يا حجّي ، تفضّل هاي وركتين . ( هذه ليرتان ) .

ومضى الرجل إلى طاولة كانت في المحلّ ، وجلس خلفها وقال :

 " يا الله ، هات لنشوف " ؟

   ووضع والدي أمامه خمس قطع من "الكاتوه"، فازدردها بسهولةٍ ونهمٍ شديدين، وأتبعهنّ بخمسٍ أخرى بلمح البصر، وبين نظراتي التي راحت تزوغ، وبين دهشتي واستغرابي، راح الرجل يلتهم ما يوضع أمامه من قطع "الكاتوه" بشراهةٍ وسرعةٍ شديدتين، ووالدي يضع له القطع خمساً بعد خمس، وهو يتميّز غيظاً وغضباً .

   لا أدري كم قطعة أكل الرجل ، إذ لم أعد قادراً على متابعة العدّ بعدما تجاوز العدد الثلاثين قطعة،فقد شردت خلف مقدرة الرجل وطريقته العجيبة في الأكل ،ولمتابعة وجه والدي الذي راح يحمرّ أكثر، غضباً بعد كل خمس قطعٍ جديدة يضعها أمام الرجل .

   وانتبهت من شرودي على صراخ والدي الغاضب ،وهو يخاطب الرجل البدويّ :

قم عليك لعنة الله ، (أي أنت أبو عناق *، العمى إنشاء الله يعميك ، ثلاث وستين قطعة ولم تشبع بعد ! ) .

   ونهض البدويّ وهو يبتسم ابتسامةً ماكرةً، وقال بلهجته البدويّة :

ما يجوز هيچ ( هكذا ) يا حجّي ، ما يجوز ! هذا اتّفاگ اتّفگناه ( هذا اتّفاق اتّفقنا عليه ) .

ردّ والدي وهو يكاد ينفجر غيظاً :

بلا اتفاق بلا بطيخ ، العمى عليك أنت ما بتشبع ، الله لا يشبّعك .

وخرج الرجل وابتسامته الماكرة لا تزال على وجهه ,هو يقول :

جان ودنا زاد گطعتين ثلاث تا نشبع . ( كنت بحاجة إلى قطعتين أو ثلاث أخرى لأشبع ) .

وإلى اللقاء في الحلقة العاشرة ....... عبدو رشو 1/7/200


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar