الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 18:24 pm
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/m-kamel.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة الثامنة

واحدة بـواحدة

( عقاب ابن حرام )

 تقول حكايتنا الجديدة :

    في قريةٍ من قرى ريفنا الكثيرة ، عاش رجل ذا مالٍ وعيالٍ ، وكبر العيال  فصاروا شبّاناً أقوياء أشدّاء ، وكانت له زوجة عاشت معه أيام الفقر والشدّة ، وسعدت معه أيام الوفرة والرخاء،وهكذا صار الرجل وأبناؤه الأقوياء ، مثالا للقوّة والمنعة،بل وملجأً للمحتاجين وطالبي المساعدة بين الوقت والآخر .

   ويوماً انفردت المرأة بزوجها وقالت له بحزنٍ شديد :

سأكلّمك يا زوجي بأمر خطيرٍ حاولت حلّه فعجزت ، وأرجو أن تحلّه بما عرفت به من حسن تدبير وحسن تفكير .

قال :

 هات يا امرأة فقد شغلت بالي، وأقلقت خاطري .

قالت :

 ولدنا سليم يتعرّض لأخته ! دفعتْه مراراً واضطرّتْ لإعلامي، وحاولت ردعه ولكنه مستمرّ في غيّه،وأخاف أن يحدث ما لا يحمد عقباه،وأقلّ ذلك ضرراً،أن يسمع الناس عنّا ما يسيء .

   وفكّر الرجل في الأمر الطاريء الذي ما كان ليخطر له على بال ،وقلّب الأمور على وجوهها جميعاً، ثم رفع رأسه وقال لامرأته سائلا :

اصدقيني يا امرأة ، هل هذا الولد من صلبي ؟

وأطرقت المرأة طويلا ، ثم رفعت رأسها وقالت :

  سأصدقك يا زوجي وما كنت يوماً غير ذلك، سأصدقك بالشيء الوحيد الذي خبّأته عنك عمري كله ،بل منذ عمر سليم هذا ! كان الوقت ربيعاً وكنت في الحقل وحدي ، وحدث أن ظهر مختار القرية لا أدري من أين ، ولا أدري كيف استطاع افتراسي رغم مقاومتي الشديدة،وحدث الذي حدث،وكتمت الأمر عنك خوفاً من فضيحتي،وخوفاً من خراب بيتنا إذ كنت ستمزّقه إرْباً إرْباً ،                                 

حدث ذلك ولم يتكرّر ، ثم جاء سليم هذا ، ولا أدري إن كان من صلبك أم من صلب المختار ؟

وأطرق الرجل مفكّراً ، كان كمن سقط فوقه جبلٌ من هموم،وبعد تفكيرٍ طويلٍ ، قال لها :

 اكتمي الأمر يا امرأة ، واعلمي أنّ هذا الولد ابن حرام ، تدلّ علي أصله أفعاله .

    ومرّت الأيام على الرجل ثقيلةً بطيئةً ،لا ليله ليل ، ولا نهاره نهار ،يدفع ساعات أيامه دفعاً، مفكّراً في طريقةٍ يثأر بها لنفسه وكرامته .

   وجاءت ساعةٌ وجدها الرجل مناسبةً ، كان الوقت نهاراً ، واليوم جمعة ، والناس جميعاً في بيوتهم ، وعاد الرجل إلي بيته حيث أولاده جميعاً مجتمعون ، أولاده الأشدّاء الأقوياء المعتزّون بقوّتهم وكرامتهم ، وأمام باب البيت الخارجيّ ، وقف الرجل في غفلةٍ عن الجميع ، وحمل حجراً لطم به جبهته بقوّة ، فانشدخ جبينه وسال الدم على وجهه غزيراً ، وهكذا دخل البيت حيث أولاده الأشدّاء والدماء تغطّي وجهه .

   وهبّ الأبناء الأشدّاء جميعاً يستفسرون ويستفهمون عما جرى وعمن فعل ذلك بأبيهم ، وبهدوءٍ شديدٍ ، قال الرجل :

لقد ضربني المختار يا أولادي .

   وقفز الأولاد إلى بنادقهم المعلّقة على جدران البيت ، قفزوا لينطلقوا إلى ذلك الذي تجرّأ على والدهم كائناً من كان ، وقبل أن ينطلقوا جميعاً ، سألهم وبهدوءٍ أيضاً :

إلى أين تذهبون يا رجال ؟

قالوا معاً :

إلى المختار لنمزّقه برصاصات بنادقنا .

قال : ما هكذا تجري الأمور يا أولادي .

قالوا :  وكيف إذاً ؟

قال :

يذهب واحدٌ منكم فيقتله ، ويظلّ الباقون هنا لسببين ، الأول للدفاع عن الذي سيذهب عند القضاء والمحاكم وغير ذلك ، وللدفاع عن البيت إذا ما هاجمنا أهل المختار .

قالوا :

 ليكن كما ترى يا والدنا ، فأنت الأخبر والأحسن رأياً ، فمر أحدنا ليذهب وينفّذ المهمّة فما من ذلك بدّ .

فقال :  ليذهب سليم وينفّذ الأمر .

 وهكذا انطلق سليم ، وبعد لحظاتٍ دوّت في القرية طلقات ، وعرف الناس بعدها أن سليماً قد قتل المختار شرّ قتلة .

الله  يجيـرنا  من الأعظم !

 تقول حكايتنا:

   في قرية من قرى حلب الجنوبية، عاش رجل فقيرٌ كثير العيال ، يسكن في بيت على شكل    قبّة ، وكانت بيوت قرى جنوب حلب  تبنى على ذلك الطراز ، مستمدّةً مادّة بنائها من المواد المتوفّرة محليّاً ،وكان الرجل الفقير ذاك ، لا يملك أرضاً ولا حلالا ( أغنام .. ماعز .. الخ .)

ولذلك كان يعمل بالأجرة لمن يطلب منه العمل  من  أصحاب الأراضي ، فالأعمال في ذلك الوقت كلها كانت أعمالا زراعية .

   وكان في القرية رجلٌ صالحٌ صاحب أراضٍ كثيرةٍ ، وكان محسناً يحبّ الخير ، وأراد مساعدة ذلك الفقير في إحدى السنوات ،وكان اسم الفقير حسين ،فناداه وقال له :

 يا حسين خذ أرضي القبليّة وازرعها " شكارة "* لك .

وردّ حسين : ومن أين لي بذارها ، وهي تبذر بكيسين من القمح ؟

ـ سأعطيك بذارها أيضاً .

ـ ومن أين لي المحراث وثيران الفلاحة يا سيّدي ؟

ـ وسأعطيك محراثي مع ثورين لتفلح عليهما أيضاً .  

ـ لن أنسى معروفك هذا يا سيّدي طوال عمري ، بل وطوال عمر أولادي أيضاً .

ـ أنا أفعل ذلك لوجه الله يا حسين .

   وهكذا انصرف الرجل إلى أهله مسروراً يكاد يرقص من الفرح ، وأخبرهم بالخير الذي أهلّ عليهم ، ممنّياً نفسه بموسم جيّد، يكفيه مؤونته  عامه ذاك ، فأرض تبذر بكيسين من القمح ستدرّ عليه خمسين كيساً من القمح في أقل تقدير ، وهذا يكفيه مؤونة عامين لا عاماً واحد اً .

   وهكذا راح الرجل يعمل بجدّ ونشاط ، ففلح وزرع ورعى الزرع جيّداً ، وحين نضج القمح، حصده بهمّةٍ ونشاطٍ وهو يكاد يطير من الفرح ، فالموسم كان جيّداً ، وهكذا قام بنقل الحصاد إلى البيادر ، وراح ينتظر فراغ أحد أهل القرية من أصحاب "النوارج " من دراسة بيدره ، ليستعير منه " النورج " ليدرس بيدره هو أيضاً .

   وفجأة وبينما الرجل متمدّدٌ في قبّته، يحلم أحلام اليقظة بغلّة وفيرة ، سمع لغطاً وصياحاً ، وجاء من أخبره أنّ بيدره قد احترق من بين البيادر جميعها .

   وأسرع الرجل ليقف فوق كومةٍ من رماد، غاضباً حانقاً حزيناً، ورفع يديه إلى السماءً وصاح مستغرباً: يا رب ألم تجد من بين كل هذه البيادر غير بيدري لتحرقه  ؟

وحاول بعض الموجودين تهدئته فقالوا له: استغفر الله يا رجل، وقل الله يجيرنا من الأعظم، فالمصائب تكون أعظم أحياناً.

  ولكن الرجل كان لا يزال غاضباً ،فقال مضيفاً لاستغرابه استغراباً:

 وهل هنالك أعظم من هذا؟ تعب سنةٍ كاملةٍ ذهب سدىً. وسيجوع الأولاد لأننا لم نعمل في غير هذه الشكارة.

قال أحد الحاضرين: ومع ذلك استغفر ربك وقل الله يجيرنا من الأعظم

وقبل أن يردّ الرجل، سمع الحضور صياحاً وعويلاً من ناحية القرية، وسُمع من ينادي:

 إلحقْ يا حسين ! فقبّتك انهارت وأم الأولاد في داخلها.

وجرى الجميع نحو القبة ،ليجدوا أولاد حسين الصغار متحلّقين حول الأنقاض ،يبكون أمهم التي كانت في الداخل ولا يعرفون عنها شيئاً.

   وبهمة وسرعةٍ شديدةٍ، رفع رجال القرية الأنقاض، وأخرجوا جثة أم العيال ،ثم جهزوها للدفن، وبعدما دفنوها راحوا يعزّون حسين بفقدها، وهم يقولون له:

 قل الله يجيرنا من الأعظم.

واستشاط حسين غضبا،ً وشتمهم جميعاً وهو يقول:

 ما أسهل ما تقولون ! وماذا بعد فقد البيدر والزوجة من أعظم.

   ولكن الذي حصل، أن حسيناً وفي الليلة نفسها، وحين خرج في العتمة لقضاء حاجته، تعثّر بحجر، وسقط في حفرة كانت هناك، وانكسرت رجله (عظم فخذه الأيمن) ،فصاح صيحةً عظيمةً سمعها المعزون، فأسرعوا إليه واستخرجوه من الحفرة على ضوء فوانيس شحيحة، ونقلوه إلى البيت، مقرّرين أن يأخذوه إلى القرية المجاورة عند (المجبّر) صباحاً، وهم يقولون له:

 قل الله يجيرنا من الأعظم يا رجل. وهو يشتمهم ويلعنهم ويقول:

 وماذا أعظم من هذا؟

  وفي الصباح جهّز أهل القرية لوحاً خشبياً، ومدّدوه عليه، وثبّتوا اللوح فوق ظهر بغلٍ، ثم كلفوا رجلاً بأخذه إلى القرية المجاورة، لمعالجته عند المجبّر.

   في الطريق وكان الرجل السليم يمسك رسن البغل بيد، واللوح الخشبي بيد، وهو يحادث حسين المصاب سائراً بجانبه إلى قرية المجبّر.

   وقبيل وصولهما إلى القرية المنشودة، شعر الرجل المرافق برغبة شديدة في إفراغ مثانته، بل لم يعد قادراً على الاحتمال، فقال مخاطباً حسين:

 هل تستطيع الإمساك برسن البغل قليلاً لأفرغ مثانتي؟ فلم أعد قادراً على الاحتمال أو الانتظار.

 قال حسين:

 لا بأس عليك وهات الرسن.

    وناوله الرجل رسن البغل، وابتعد بضع خطوات ليقضي حاجته، ومن مصادفات القدر، كانت أمامه قبّرة ، فطارت خائفة، ومن طيرانها الفجائي، جَفِلَ البغل وقفز هارباً، فمال اللوح الذي فوق ظهره ،ووقع حسين وقعة مؤلمة، كانت سبباً في كسر فقراتٍ من فقرات ظهره أيضاً.

شاهد الرجل المرافق ما جرى ،وأسرع إلى مساعدة حسين، فسمعه يقول:

 الله يجيرنا من الأعظم.. الله يجيرنا من الأعظم... فعلاً هنالك ما هو أعظم دائماً.

   وتكمل الحكاية فصولها فتقول: إن حسيناً هذا عولج عند المجبّر حتى شفي ،وظلّ يردّد خلال علاجه وبعد شفائه:

 الله يجيرنا من الأعظم.. الله يجيرنا من الأعظم. كلما شاهد حادثة ، أو سمع حكاية مؤلمة .

دعوة  مظلوم

    وحكايتنا هذه تأتينا من قرية من قرى شمال حلب هذه المرّة ، ورواها من عاش أحداثها .

قال الرّاوي شاهد عيان هذه الحكاية :

   كان الوقت صيفاً، بل كان الوقت بداية الصيف ، وكنا ننطلق مع الفجر كل يوم لنحصد زرعنا .

  كنا نحصد يدويّاً بمناجل حادّة، فلم تكن آلات الحصاد الحديثة قد انتشرت بعد ، كان ذلك قبيل منتصف خمسينيات القرن العشرين .

   وكان ناس القرى جميعاً يعملون في الحصاد ،من كانت له أرض، ومن لم تكن له أرض ، كان الذين لا يملكون يعملون بالأجرة عند من يملكون ،وكان أجر حصاد مساحةٍ ما، مقدار ما يبذر فيها من  بذار،أيّ  أن أجرة حصاد أرض بذرت كيساً من القمح ، كيسٌ من القمح عند البيدر ،وكان هذا الأجر مطلباً للكثيرين ، فالفقراء كانوا كثراً .

ويضيف الرّاوي مكملا حكايته :

   كنا نحصد في أرضٍ لنا مبذرها كيس ونصف الكيس من القمح ،وكانت نصف حصّة والدنا التي ورثها عن جدّنا ،ونصفها الثاني كانت حصّة عمّنا عثمان ،وكان عمّنا عثمان هذا بخيلا بل مشهوراً ببخله الشديد ، ولم يكن له أولاد، لذا كان يعتمد على الآخرين في أعماله كلها ومنها الحصاد ،ولبخله الشديد فقد أضاف لأملاكه أملاكاً أخرى اشتراها ممن باعها ، وهكذا عرف بغناه وبخله معاً ، وكان يدور متفقّداً العاملين عنده وفي أملاكه راكباً( حمارة) بيضاء ،يراها العمال من بعيد، فينتبهون إلى قدومه قبل وصوله فيظهرون همّةً ونشاطاً كبيرين، ليتجنّبوا لسانه السليط الذي عرف به أيضاً .

ونعود لحكايتنا التي ما خرجنا منها لنسمع الرّاوي يضيف :

   في ذلك اليوم الذي حدثت فيه أحداث الحكاية ، كنا نحصد أرضنا التي ورثها والدنا عن جدّنا، والتي كانت بجانب أرض عمّنا عثمان ،وكان يحصد في أرض عمّنا فقير ذو عيال من أهل القرية،كان معروفاً بفقره الشديد، وحاجته الماسة للعمل لإطعام أولاده الصغار ،ولا أدري كيف وقف ذلك الحصّاد الفقير وناداني سائلا :

 يا محمد ما هو مقدار مبذر أرضكم ؟

أجبت :

كيس ونصف الكيس من القمح .

قال :

ولكن عمّك عثمان يقول إنّ مبذر أرضه كيسٌ واحدٌ فقط  ، فكيف يكون ذلك؟ وهي مساوية لأرضكم، وكل أهل القرية يعرف ذلك ؟

قلت :

  لا أعرف ما يقوله عمّي ! وسكتّ لا أدري بما أجيب ، وماذا أقول عن بخل عمّي !

   وما كدنا ننهي حديثنا حتى أطل عمّي من بعيد ، راكباً (حمارته) البيضاء ، فانصرفت متابعاً الحصاد، ووقف الرجل الفقير حتى وصل عمّي فبادره قائلا :

يا حاج عثمان ، هؤلاء أولاد أخيك يحصدون أرضهم، وهي تساوي مساحة أرضك ، وهم يقولون إنها تبذر بكيس ونصف الكيس من القمح ، فكيف تكون مبذر أرضك كيساً واحداً؟ وكيف ترضى أن تظلمني! وأنا الفقير المحتاج ذو العيال الصغار؟

رد عثمان بفظاظة:

 مبذرها كيس يعني كيسا، ولن تأخذ أجرة حصادها غير كيسٍ واحد، فاقبل أو اترك العمل.

   قال عمّي عثمان ذلك ومضى مبتعداً ،ساخراً من الرجل الفقير الذي ظلّ واقفاً يشعر بالضعف والعجز والظلم، ودفعه شعوره ذاك، ليشقّ صدر قميصه غضباً، وليرفع يديه إلى السماء بعد ذلك وينادي مخاطباً ربه:

 يا رب ألا ترى؟ ألا تسمع؟ أتقبل هذا الظلم؟

   قال الرجل ذلك صائحاً بأعلى صوته الذي خرج من أعماقه الشاعرة بالظلم، ثم تابع الحصاد مع زوجه المسكينة الحزينة مثله، اللذين كانا يلتفتان بين وقت وآخر، لينظرا إلى رضيعيهما اللذين وضعاهما في ظلّ مظلّةٍ من قش صنعاها لهما، اتقاء من حَرّ الشمس.

   بعد ساعة من هذا الذي قيل وجرى، ترك الرجل وزوجه الحصاد، وحملا صغيريهما، ومضيا إلى قبّة حجريّة قديمة، مبنية فوق قبر رجلٍ صالحٍ لا ندري من هو، ولكنّ أهل القرية كانوا يتبرّكون باسمه، وكنا نلجأ إليها أحياناً اتقاء للبرد أو المطر  أو حرّ الظهيرة صيفاً أوعند الحاجة، ومرّ بنا الرجل الفقير وزوجه وهو يخاطبنا قائلاً:

 هيا يا شباب إلى القبّة، فقد جاء غضب الله.

  نظرنا إليه مستغربين، كانت السماء صافية، والشمس ساطعة، ولم يكن هنالك ما يريب،كنا نحن  وآخرون  في الحقول المجاورة ، الكل كان يعمل في الحصاد آمنا مطمئنّا،  لذا لم نأبه لكلامه وقلنا رجل مظلوم يتصرّف تصرّفات غريبة، وهو يريد أن يرتاح مع زوجه وأولاده في ظلّ القبّة قليلاً.

   ولكن وما إن ابتعد الرجل قليلاً، وصار قريباً من القبّة، حتى تلبّدت السماء فجأة بغيمةٍ سوداء داكنة عظيمة ،ثم هطل مطرٌ وبَرَدٌ غزيرين جدا،ً بَرَدٌ كانت حبّاته أكبر من حبّات الحمّص والزيتون، ومطرٌ كانت قطراته كبيرةً كدموع اليتامى ،مطر وبَرَدٌ غزيرٌ فاجأنا، فهربنا نجري إلى القبّة التي لجأ إليها الرجل الفقير قبلنا، ولجأ إليها من استطاع من الجوار، ولكن بعدما غسل المطر الجميع غسلا، مع  أنّ الأمر لم يستغرق سوى دقائق قليلة، وقد شكّل المطر والبَرَد الغزيران سيلاً جرى بعنفٍ كنّا سمعنا دويّه ونحن داخل القبة.

   بعدما يقارب الساعة هدأت الأجواء، وانقطع صوت المطر والرّعد، وتوقّف دويّ السيل،فخرجنا لنرى آثار ذلك كله، وهالنا ما رأيناه، كان السيل قد جرف قمح عمّي عثمان من على تلك الأرض التي كان يحصدها ذلك الفقير المظلوم، كان قد جرفه كلّه دون ما حوله من كل الأقماح .

   حين رأى الرجل الفقير ما جرى لقمح أرض عمّي عثمان، رفع يديه إلى السماء وقال:

 شكراً لك يا ربّي فكم أنت قريب مجيب ، تسمع دعوة المظلوم وتأخذ له بحقّه، وستعوّضني عن أجرة حصاد أرض عثمان، فرزقي عليك لا عليه.

 قال الرجل ذلك ، ثم حمل منجله ومضى مع زوجه وولديه إلى البيت، باحثاً عن عمل في أرض أخرى.       

مفسّر  ( منامات )

 تقول حكايتنا الجديدة :

   في قرية من قرى ريف محافظة حلب ، عاشت امرأة في دارها التي تزوّجت فيها ، وحولها أولادها الأربعة في دورهم الخاصّة بهم ، وكانت المرأة قد سهرت على رعايتهم وتنشئتهم بعدما مات زوجها حين كانوا لا يزالون صغاراً، وقد آثرت أن تُسْكن كلّ واحدٍ منهم في دار خاصّةٍ به حين زواجه ، اتّقاءً للمشاكل التي تحصل بين الكنّة والحماة ،وقد بنت دورهم حول دارها، لتأنس بهم وبأولادهم ، ولمساعدتها عند الحاجة .

   وقد حفظ لها أولادها تعبها وسهرها ورعايتها لهم ، فلم يتركوها لشيخوختها ، وصاروا هم وأولادهم يقضون أوقاتهم كلها عندها ، ولا يتركونها إلا حين يأوون إلى النوم في بيوتهم .

   وحدث في ليلة أنّ المرأة العجوز النائمة في بيتها، شعرت بحركةٍ غريبةٍ في البيت، ففتحت عينيها بهدوء. ونظرت حولها متفحّصةً المكان ، فرأت خيالا غريباً يتحرّك بين جنبات الغرفة التي هي فيها، باحثاً عن شيءٍ ما ، فانتظرت قليلا هادئة ، وتأكّد لها أن الخيال خيال لصّ جاء ليسرق ما يستطيع مما خفّ وزنه وغلا ثمنه ، ففكّرت قليلا واهتدت بسرعة لطريقة تؤدّب بها اللصّ، فتململت قليلا في نومها كمن يعيش حلماً، ثم جلست في فراشها، وخاطبت اللصّ قائلةً :

تعال يا ولدي واجلس بجانبي أنا جدّتك العجوز ، فلستَ بحاجةٍ للسرقة ، لأني سأعطيك ماتريد ، مقابل أن تفسّر لي مناماً ( حلماً ) رأيته الآن ، وأخافني كثيراً .

طمع اللصّ في مكسبٍ بدون تعب، وقال لنفسه :

قد جاءتني الفرصة سانحةً، فلأسخر من هذه العجوز ، ولأفسّر لها الحلم الذي رأته على هواي ، فهي عجوزٌ خرِفة، ولن تفهم مما سأقوله شيئاً ، بل ستقبل بتفسيري .

وهكذا جلس اللصّ بجانب العجوز التي ابتدأت الكلام قائلة :

   رأيت نفسي مع أولادي الأربعة الصغار، وقد سافرنا لنقضي يوماً أو يومين عند شاطيء البحر، أولادي أحمد و محمد ومحمود ومصطفى ، سافرنا ووصلنا إلى شاطيء البحر ،وبعد ما أنزلنا حاجاتنا ، وقبل أن أنتبه ، أسرع الأولاد وخلعوا ثيابهم، ونزلوا إلى الماء، وراحوا يسبحون ويلعبون ، أما أنا فقد انصرفت لإعداد الطعام ، وبعدما حضّرته رحت أناديهم ليأتوا ويأكلوا، ولكنهم لم يسمعوا صوتي وظلّوا يسبحون، وهكذا رحت أناديهم بصوت أعلى وأعلى في كل مرّة، يا أحمد ، يا محمود ، يا محمد ، يا مصطفى ، ولكنهم لم يسمعوني، بل وراحوا يبتعدون عن الشاطيء أكثر وأكثر ، وهذا ما أخافني أكثر، لذا رحت أناديهم بصوت أعلى من قبل ، يا أحمد ، يا محمد ، يا محمود ، يا مصطفى ، تعالوا أمكم تناديكم ، تعالوا بسرعة ،ولكن أولادي لم يسمعوني ، فما هو تفسير هذا المنام أيها المفسّر ؟

   كان أولاد المرأة  النائمون في بيوتهم، قد سمعوا نداء أمّهم في جوف الليل، فهبّوا مسرعين لتلبية ندائها ،وما أن دخلوا الدار ورأوا اللصّ الجالس أمامها، والذي ما كان قد بدأ تفسيره ،حتى انهالوا عليه ضرباً ولكماً وركلاً وصفعاً .

وشعر اللصّ أنه وقع في المصيدة ، وأن العجوز قد سخرت منه ، وأنها اخترعت الحكاية لتنادي  أولادها ليأتوا  لمعاقبته ،لذلك تحمّل ركلهم وصفعاتهم ولكماتهم وهو يقول :

اضربوا ، بل اضربوا أكثر وأوجع ، اضربوا فأنا استحقّ ذلك ، فأنا (حرامي) مالي وتفسير المنامات !

وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة ....... عبدو رشو 11/5/2006


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar