الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 19:53 pm
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/m-kamel.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة السابعة

الرّاعي و المستشار

 ( الليوتنان )

    وقد روى لي المترجم نفسه، حكايةً أخرى جرت أمامه مع المستشار السابق، وفي" أعزاز" أيضاً فقال :

   إن المستشار الفرنسي اختار من بين صفوف المتطوّعين ( الملّيس)، شاباً خصّصه لخدمته وخدمة بيته ،فكان يكلّفه كل يوم بشراء حاجيات بيته، من خضار ولحوم وفواكه وتوصيلها إلى البيت، ثم العودة للوقوف قرب بابه تحت الطلب .

   وهكذا كان الشاب يذهب كل يوم إلى بيت المستشار محمّلا ، ليعود بقائمة من طلبات اليوم التالي، وكانت زوجة المستشار تستقبله بالترحاب ، هاشّة باشّة ،وتدخله إلى البيت وهي تكثر من شكره بكلمات رقيقة،فقد كانت تتصرّف مع الرجال وتقابلهم، كما تعوّدت أن تفعل في بلادها حيث لاقيود ولا اعتبارات بين الجنسين ،وهي لا تعرف شيئاً عن الأفكار التي يحملها كثير من الرجال عن المرأة في بلادنا، والتي تعني فيما تعنيه، أن ابتسامة المرأة وكلامها الرقيق للرجل، هو وقوعٌ في حبّه وغرامه ،وأنها تدعوه إلى نفسها .

   ويبدو أن الشاب صاحبنا قد فهم من تصرّفات زوجة المستشار هذا، ولهذا اغتنم فرصة وجدها سانحةً، حين اختلى بها في المطبخ بعدماً ، أدخل الأغراض التي كان قد جاء بها من السوق،وأقدم على محاولة تقبيلها، ظنّاً منه أنها ستبادله المشاعر نفسها ، ولكن الذي حدث كان غير ما توقّع ، إذ لطمته لطمةً قويّةً، ودفعته خارج البيت منذرةً مهدّدةً .

   وعاد الشاب الخادم ( الملّيس ) إلى مركز عمله ، وهولا يكاد يرى أمامه من شدّة خوفه مما سيحصل، حين يعلم المستشار بما حصل، وسمع المترجم بالحكاية من صاحبها، وهو يرجوه أن يتوسّط له عند المستشار،فهو كان يعلم أن هذا إذا حصل في بلادنا ، فجزاؤه القتل من دون أيّة مناقشة ، وهو لم يكن يستطيع الهرب والاختباء، فالمستشار سيأتي به من أيّ مكان يهرب إليه ، لذا استسلم لقدره، وظلّ في مركز عمله منتظراً الصباح وعودة المستشار من بيته، ليطلق النار عليه أمام صفوف ( الملّيس) أثناء تحيّة العلم الصباحية .

ويضيف المترجم راوي الحكاية مكملا :

   أصدقكم القول أنني كنت أتصوّر أن هذا سيحدث صباحاً، وكنت أشفق على الشاب ، ولكن ما كانت باليد حيلة .

   وأخيراً جاء الصباح ، وحيّا الرجال العلم ،وانصرفوا دون أن يذكر المستشار عن ذلك شيئاً، ودون أن يبدر منه ما يشعر بانزعاجه ، واطمأننت وأطمأنّ الشاب قليلا، ولكن الخوف ظلّ في قلوبنا كامناً، فما كنا نأمن أن يحدث ما نخافه ، ولكن الذي جرى في اليوم الثالث من الحادثة قلب الأمور رأساً على عقب ، إذ فوجئنا بالمستشار يصدر أمراً، يرفّع به الشاب إلى رتبة عريف في قوّات (الملّيس) ، ويكلفه بإمرة عشرة رجال ، وينهي تكليفه بخدمات بيته ،وكان هذا مدعاة لفرح الشاب، ومثاراً لتساؤلاتي التي بدأت ولم تنته ،بل وراحت تزداد بعد ذلك ، إذ ما مرّت على الشاب في رتبته سوى ثلاثة أشهر، حتى فوجئنا بترفيعه إلى رتبة أعلى هي رتبة  /رقيب / في القوّة نفسها ، وكان هذا لا يحصل عند مستشارنا إلا فيما ندر جداً، ولمن قام بأعمال بطوليّةٍ في خدمة فرنسا ، وكان هذا يدعوني ويثير تساؤلاتي التي ازدادت أكثر بعد مرور ثلاثة أشهر أخرى،إذ قام المستشار بترفيع الرقيب المذكور إلى رتبة الملازم ( الليوتنان )، وكانت هذه الرتبة ذات قيمة وقدر عاليين، فما كان في القوّات تلك ، إلا عدد قليل منها .              ويبدو أن صاحبنا الشاب كان قد نسي ماكان ، إذ راح يأمر وينهي ، ويمشى متباهيا على أقرانه،مفتخرا على من حوله ، وحتى على ناسه وأقربائه الذين ما عاد يسأل عن أحدٍ منهم .

   وظلّ صاحبنا في رتبته ، رتبة الملازم ستّة أشهرٍ ، ستّة أشهرٍ كانت كلها ترفّعاً وتبختراً واختيالا على الناس ممن حوله ،وستّة أشهرٍ كانت كلها تساؤلات واستفسارات عندي ، ولكن الأمور توضّحت في نهايتها لكلينا ولغيرنا ،إذ فوجئنا في نهايتها بأمر صباحيّ  من المستشار يعزل فيه الشاب العريف ، الرقيب ، الملازم من رتبته ،ويطلب منه تسليم أغراضه العسكرية وسلاحه ، ومغادرة المكان بهدوء ودون وداع .

   وغادر الملازم الذي ما عاد ملازماً المكان بهدوء ، ولكنه كان يجرّ رجليه جرّاً، بل ماكان قادراً على الجرّ ولا على الكلام ،كان ذلّ الدنيا كلها قد نزل عليه ،ومضى اليوم بهدوء عليّ، وجاء المساء ،وجاءني مرسال من المستشار يطلبني للسهر عنده ، وكان هذا يحصل أحياناً ، وذهبت إلى بيته ، وجلست إلى طاولة كان عليها ما لذّ وطاب من طعام وشراب، وبعدما تناولنا شيئاً من هذا ومن هذا، نظر إليّ المستشار وقال :

هه ؟ مسيو أبو .... ، هل تريد أن أشرح لك شيئاً ؟

قلت :

نعم أريد أن تشرح لي ما جرى ؟ وما لم أفهمه ؟ وأنت تعرف ما أعنيه .

قال : نعم أعرف ما تعنيه ، ولهذا دعوتك فاسمع !

حين فعل ذاك الصغير التافه ما فعله مع زوجتي ، تصوّرتم جميعاً أني سأطلق النار عليه في الصباح التالي .

قلت مقاطعاً :

أصدقك القول أني أنا شخصيّاً تصوّرت ذلك .

قال :

أعرف ذلك وأرجو أن تسمعني وأن لا تقاطعني .

وأضاف المستشار :

   لو فعلت ما توقّعتموه لكان هذا مثاراً لتساؤلات البعض عن السبب ، ولقال البعض لو لم يكن قد جرى بين القتيل وزوجة المستشار شيء لما قتله المستشار ،ولو قمت بتسريحه من الخدمة لقلتم الشيء نفسه ، وكان هو سيعود إلى مهنته السابقة راعياً بالأجرة عند الناس ، ولكني فضّلت قتله قهراً وكمداً، إذ جعلته يذوق طعم السُلْطة ، وجعلته يتعالى على الناس لينبذوه حين يعود إليهم ، وقد سرّحته من الخدمة وهو يحسب نفسه أميراً، وهو لن يستطيع العودة لإمارته هذه،كما لن يستطيع العودة لمهنة الرعي  مهنته السابقة ، ولا لغيرها من المهن، وسينبذه الناس الذين تعالى عليهم ،لذا لن يطول به العمر ستّة أشهر وسيموت قهراً وكمداً ، وسترى صدق قولي .

   وسكت المستشار ، وسكتّ أنا أيضاً ، وفي الأيام التالية رحت أتابع أخبار ذلك المسكين ، وكنت أعرف قريته ، وقد صدقت حسابات المستشار تماماً بعد مرور ما يقارب الستّة أشهر أو نحو ذلك  .

 طابع بالطول الكامل

 ( للرئيس الشيخ تاج ... )

 تقول حكايتنا الجديدة :

   أراد الفرنسيون بعدما هدأت أمورهم قليلا في سورية ، أرادوا أن ينقلوا ولو صوريّاً، السلطة أو بعضها للسوريين والوطنيين ، ليظهروا بمظهر الذين يريدون الخير للبلد أو ما يشابه ذلك ، فأقاموا انتخابات، وعيّنوا تعيينات  وما إلى ذلك ، وهم يستمعون ويرون المظاهرات الحاشدة التي تثور ضدّهم بين الوقت والآخر، وهكذا وبشكل ما، وصل إلى منصب رئاسة الجمهورية السورية ( الشيخ تاج ... )

   وداوم ( الشيخ تاج  ) في مقرّ رئاسة الجمهورية ، وكانت في بناية العابد المطلّة على ساحة (المرجة) ، وبعد مرور وقت قصير على دوامه، رأت السلطات أن ترفع سعر الخبز ، وبمقدار نصف فرنك / أي قرشين ونصف / ولمن لايعرف مقدار ذلك نوضّح قائلين ،أن الليرة السورية تساوي عشرين فرنكاً ،والفرنك يساوي خمسة قروش / المهم أن الأوامر صدرت بموافقة        (الشيخ تاج  ) برفع سعر الخبز بالمقدار ذاك ،وكان هذا كافياً ليثور الناس مطالبين بإسقاط (الشيخ تاج) إن لم يتنحّ ، ناسين أنهم كانوا يتظاهرون مطالبين به قبل وقت قصير .

   وهكذا خرجت في شوارع دمشق مظاهرات حاشدة ، وقدمت كلها إلى ساحة (المرجة) ، وراحت تدور حول بناية (العابد) ،وهي تردّد الهتافات المندّدة المطالبة، بتنحّيه، والتي تصفه بصفات غير مناسبة .وسمع ( الشيخ تاج ..) الأصوات الهادرة في الخارج ،وسمع لغطاً وهرجاً ومرجاً ، فاستدعى حاجبه سائلا عما يجري ، ولكن الحاجب لم يعلمه بما يجري، ولا بما يقوله الناس المتظاهرون   في الخارج ، وهذا ما دعا الشيخ ليقوم ويستطلع الأمر بنفسه ، وحين أطلّ من شرفة مكتبه ورأى المتظاهرين ، وسمعهم يهزجون قائلين :

                  شيخ تاج   يا بومة                 يا بو لفّة  مبرومة *

                عطيني شعرة من ذقنك               أخيّط فيها التاسومة **

   واغتاظ الشيخ تاج كثيراً ممارأى ومما سمع،وقال لنفسه/ والله  لأعاقبنّ هؤلاء الناس جميعاً ، بل وسأعاقب السوريين جميعاً، عقوبةً ما عاقبهم بها أحد ، فهم يستحقّون ذلك ، فبالأمس كانوا يهتفون لي ، واليوم يصفونني بأبشع الصفات ، وسأجعلهم يلحسون (....) مؤخّرتي /  .

   قال ( الشيخ تاج ...) هذا وعاد إلى مكتبه واستدعى مدير البريد من فوره، وأمره أن يطبع له طابعاً بالطول الكامل ، وأن يوزّعه على دوائر البريد، ليستعمله الناس حين إرسال الرسائل .

   وحاول مدير البريد أن يثنيه عن طلبه ، وأن يكتفي بطابع عليه صورة وجهه أو نصفه العلويّ ، فهذا هو المتّبع عند الناس ،ولكن الرئيس أصرّ على طلبه وعلى وجوب تنفيذه فوراً .

  وهكذا جاء مدير البريد بالطابع المطلوب بعد وقتٍ قصيرٍ ، وعرضه على الرئيس الذي سأله :

من أي بلد أنت ؟

 ردّ الرجل :

من دمشق يا سيّدي .

قال الرئيس : إذن لنبدأ بك اللحس ، فهيّا وأرني كيف ستستعمل الطابع فيما إذا أردت إرسال رسالة ؟

   وأخذ الرجل مظروف رسالةٍ كان قد أحضره معه ، وأمسك بالطابع الذي بالطول الكامل للرئيس (الشيخ تاج) ، وبلّل مؤخرة الطابع التي هي مؤخرة الرئيس بلسانه ، ثم ألصق الطابع على المظروف وقال : هكذا نستعمل الطابع إذا أردنا إرسال رسالةٍ ما  يا سيّدي .

قال الرئيس الشيخ تاج متشفّياً :

إذا خذه ووزّعه على دوائر البريد ، وليستعمل منذ اليوم .

عجيـب !! كيف لا يتكلّم الكردية  !!

 وحكايتنا هذه تقول :

   في بداية الاحتلال الفرنسي لسورية ، رفض السوريون جميعاً هذا الاحتلال، بل وقاموا بمحاربته قليلا أو كثيراً وفي جميع المناطق،ومن هذه المقاومات كانت ثورة الشمال بقيادة الزعيم (ابراهيم هنانو)، الذي قاد ثورة عنيفة ضدّ الفرنسيين، وسانده الكثيرون في ثورته، وكان ممن سانده (سيدو ديكو آغا ) ، وكان من آغوات "جبل الكرد" / منطقة عفرين الحالية /، ولم تكن مدينة عفرين قد بنيت حينذاك .

   وقام الفرنسيون بدعم قواتهم بقوّات جلبوها من تركيا، حيث كانوا متمركزين على سواحل "اسكندرونة "،عن طريق الخط الحديدي / أو ما كان يسمّى بقطار الشرق السريع/،وكمحاولة لمنع وصول هذه الإمدادات، طلب الزعيم هنانو من (سيدو ديكو آغا)، نسف الخط الحديدي الذي يمرّ بجبل الكرد ، وما بين محطّة( ميدان اكبس ) ومحطّة  بلدة ( قاطمة ).

   ولكن( سيدو آغا) قرّر أكثر من ذلك،إذ قام بنصب كمين للقوّات الفرنسية القادمة عبر هذا الخطّ ، وذلك في ممرّ وادي / نشّاب /، وهو واد عميق، يقسم عرضانياً سلسلة جبلية عالية ، وهو طريق إجباري ّللقادمين من / ميدان اكبس / إلى عفرين الحالية ومنها إلى حلب .

   وعندما بلغته الأخبار من عيونه التي نشرها في محطة ميدان اكبس، بوجود قطار ينوي التحرّك إلى حلب ، وعلى متنه قوات وأعتدة فرنسية، أسرع ووزّع رجاله على طرفيّ الوادي، وأمر آخرين فنزعوا بعض قضبان السكّة من مواقعها ، وكمنوا منتظرين مرور القطار المحمّل بالقوّات ، والذي جاء بعد قليل يتهادى ، واضطرّ للوقوف حين ارتطم بالأرض، عندما وصل إلى الأماكن التي نزعت قضبانها ، وبسرعة نشبت معركة بين الطرفين، وبسرعة انتهت أيضاً ، إذ أن الفرنسيين استسلموا حين شاهدوا أنفسهم محاصرين ، وحين رأوا أن من يمدّ رأسه من نافذة القطار أو بابه يهوي برصاصة صائبة .

   وبسرعة أخرج الرجال الفرنسيين من العربة وقيّدوهم،وبسرعة تمّ جمع العتاد وكان كثيراً ، وبعد ذلك قام (سيدو آغا) بجولة اطلاعية على ما غنمه رجاله وما أسروه ، ثم راح يتجوّل في عربات القطار عربةً عربةً مستطلعاً ،وفي عربة من عربات القطار لمح (سيدو آغا) أسيراً فرنسياً من السنغاليين الذين كانت فرنسا تكثر من تجنيدهم في قواتها ، وكانوا غلاظاً شداداً على السوريين، وحين لمحه (سيدو آغا)، كان متكوّماً في ركن العربة يرتجف من الخوف، ودنا منه الآغا فوجده لايزال صغير السن، فشعر بشيء من العطف عليه حين أقامه رجاله وأوقفوه أمامه، فمدّ يده ولمس ذقنه بحركة ملاطفة، وسأله باللغة الكردية :

  نافي تا چيا لاو ؟ ( ما اسمك يا هذا ؟)

   ولكن الفتى السنغالي الصغير ظلّ يحاول التكوّم من الخوف ، ولم يجب الآغا لأنه لم يفهم ما قاله ،والذي كرّر السؤال حين لم يسمع جواباً :

 نافي تا چيا لاو ؟ ( ما اسمك يا هذا ؟)

ولم يجب الفتى السنغالي للمرّة الثانية ، وهنا تدخلّ أحد رجال الآغا فقال له :

آغا هذا لا يعرف الكرديّة .

نظر الآغا إليه مستغرباً وقال :

عجيــب !! نحن عندنا الولد الصغير يتكلّم الكرديّة ، وهذا قد أصبح بحجم حمار ولا يعرف الكرديّة !!

   وأحسّ الآغا بأحد رجاله يكاد يفلت ضحكةً ساخرةً ، فعرف أنه قال خطأً، ولكنه تدارك الأمر فقال للرجل الذي يكاد يضحك :

يا هذا اسأله عن اسمه بالفرنسية .

فقال الرجل : يا آغا أنا لاأعرف الفرنسية .

فقال الآغا معلّقاً :

عجيــــب !! وأنت أيضاً قد أصبحت بحجم بغل ، ولا تعرف الفرنسية . 

هنانو وحاكم عفرين

   وحكايتنا هذه تتحدّث عن بعض فضائل الزعيم هنانو وهي تقول :

    بعد المحاكمة والبراءة التي خرج بها الزعيم هنانو، راح يمارس النضال السياسي في سورية، متّخذاً حلب مقرّاً له ، متزعّماً الكتلة الوطنية التي تشكّلت من جميع الوطنيين الأحرار، الذين رفضوا الاحتلال الفرنسي وقاوموه بالسلاح أولا، وبالسياسة ثانياً ،وهكذا راح الزعيم يدخل الانتخابات، متزعّماً قائمة الكتلة الوطنية، معتمداً على رفاقه في النضال المسلّح وغير المسلّح ، هؤلاء الذين ساعدوه ووقفوا إلى جانبه منذ اليوم الأول لبدء الكفاح ،والذين ما انقطعت علاقته بهم حتى وفاته عليه رحمة الله.

وكان من هؤلاء الرفاق (عارف آغا الروباري ) وقد سجّلت كنيتهم أيام قامت فرنسا بتسجيل وتعداد السكان باسم / غباري /، لأن لفظة الراء تقلب غيناً عند الفرنسيين ، وهكذا صارت كنية عارف آغا( الغباري) منذ ذلك الوقت ، وما يهمّنا وتقوم عليه حكايتنا أن الزعيم (هنانو) سمع أن صديقه ورفيق نضاله ومن آزره أيام الشدّة ، والذي دخل سجن ( خان استانبول ) وسجن (بيروت)  بسبب مواقفه ودعمه للثورة "عارف آغا" مريض ، وهو في بلدة عفرين ، حيث يقيم في فندق حديث هناك ، لأن البيت الذي يبنيه لم يكتمل بعد .

   وهكذا جمع الزعيم بعض زعماء الكتلة الوطنية، وكان منهم الزعيم (سعد الله الجابري) وآخرون، وقرّروا عيادة رفيقهم (عارف آغا) المريض في عفرين ، وكانت عفرين لا تزال في طور التأسيس والبناء، بعدما قرّر الفرنسيون جعلها مركزاً لقضاء جبل الكرد ، حيث بدأووا بإقامة مخفر ودار للحكومة ، وعيّنوا للقضاء قائممقاماً* يساعده ضابط فرنسي، وبعد ذلك بدأ الناس يبنون بيوتهم هناك ، وكان من أول من بدأ البناء الآغوات والتجار أصحاب محلات البيع والشراء، وأصحاب الخانات .

  ونعود من جديد لحكايتنا التي تقول أن الزعيم وصحبه، سافروا إلى عفرين ووصلوها،وقبل أن يقصدوا بيت عارف آغا،ذهبوا إلى مركز القائم مقامية ليسلموا على القائم مقام،وكان في الغرفة المجاورة لغرفة القائم مقام، الضابط الفرنسي وعنده عدد من آغوات المنطقة المتعاونين مع الفرنسيين،فلما سمع الضابط الفرنسي من حاجبه أنّ الزعيم هنانو قد وصل،قام من فوره وترك

 أولئك الآغوات في الغرفة، بعدما أغلق عليهم الباب بالمفتاح ،وأسرع لاستقبال الزعيم عند درج الطابق السفلي للبناء ، مرحّباً به أشدّ الترحيب ، وصعد معه إلى غرفة القائممقام، وجلس يرحّب به كثيراً ، مظهراً له كل الاحترام والتقدير، وظلّ عنده حتى استأذن الزعيم من القائممقام، وذهب لعيادة ( عارف آغا) المريض .

   عندما ودّع الضابط الفرنسيّ الزعيم وعاد إلى غرفته ، وجد الآغوات ـ وكانوا أربعة ـ

 متجهّمين غاضبين ،فسألهم مابهم ؟ فقالوا له :

نحن غاضبون ، وعاتبون !

ـ ولم ؟

ـ لأنك تركتنا وأسرعت للقاء هنانو،وهو قاتلكم ونحن نساعدكم،هوعدوّكم ونحن أصدقاؤكم ،فهل يجوز هذا؟ وهل تجوز المساواة بيننا؟ والأغرب أنّك أغلقت الباب علينا بالمفتاح ، وبعد ذلك تسأل ، لم أنتم غاضبون !

واستمع الضابط الفرنسيّ لكلامهم حتى انتهوا ، ثم خاطبهم فقال :

   أنا أسرعت لاستقبال الزعيم واحترمته لأنه يستحقّ ذلك ،هو قاتلنا ولكن دفاعاً عن وطنه ، وهو باع أرضه ودفع ماله ليصرف على قتالنا، لأنه كان يدافع عن وطنه كما قلت لكم ، أما أنتم فتأتون إليّ لتأخذوا مني أموالا وأملاكاً لتقفوا ضدّ وطنكم ، ولا يهمّني غضبكم فأنا استعملكم بالمال ،ويهمّكم غضبي لأني إن غضبت سوف استبدلكم ، فمن من الطرفين يستحقّ الاحترام والتقدير ؟ أنتم أم الزعيم ؟ وأصدقكم القول ، لو كان هذا الزعيم منّا ، لأقمنا له التماثيل تقديراً لما فعل .

 الحرامي

    وحكايتنا الجديدة هذه، تأتي من الفترة التي تلت الحكاية السابقة، ودارت أحداثها في المنطقة نفسها ، وهي تقول :

   إنّ رجلا من أبناء حلب، يعمل سائقاً على سيارة شاحنة صغيرة له ، كان له صديق من منطقة جبل  الكرد) ، صادقه أيام صحبتهما في الخدمة العسكريّة في حرب السفربرلك / الحرب العالمية الأولى/وكان قد تفرّقا دون أن تنقطع العلاقة بينهما .

   وشعر صاحبنا الحلبيّ أن إطارات عجلات سيّارته قد بليت من كثرة الاستعمال ، وأنها لم تعد صالحةً ، وأنها بحاجةٍ ماسّةٍ للتبديل ، ولكنه ما كان يملك ثمن إطاراتٍ جديدة ، فالدنيا حرب ،/ الحرب العالمية الثانية / وقوّات الفرنسيين و/الإنكليز/ منتشرة في كل مكان، والناس لايقومون إلا بالأعمال الضرورية جدّاً، فمن أين يأتي العمل الذي سيدرّ عليه المال ، أي ثمن إطارات العجلات ، وهكذا وقع صاحبنا الحلبيّ في حيرةٍ من أمره ، وفكّر وفكّر بطريقة تساعده على حل مشكلته ، وأخيراً تذكّر صاحبه الكردي من منطقة جبل الكرد ، صاحب أيام   الخدمة العسكرية في حرب السفربرلك، وقام من فوره وقاد سيّارته إلى قريته فوصلها بسلام ، وهناك شرح لصاحبه الذي فرح لرؤيته كثيراً ، شرح له ما هو فيه ، وطلب منه قرضاً لشراء إطاراتٍ لعجلات سيّارته ، ولكن الصاحب ذاك ،لم يكن بأحسن حال من صاحبه ، وأحسّ أنه في ورطةٍ كبيرةٍ ، إذ كيف يمكن الاعتذار من رفيق دربٍ وصديق حربٍ ؟

    ويكمل الحكاية، المضيفُ الذي ما أراد أن يعود ضيفه وصديقه خائباً ، فطمأنه وطلب منه المبيت عنده ،وأنه سيؤمّن له طلبه إن شاء الله ، وكان الرجل قد بيّت في نفسه أمراً، بادر إلى تنفيذه ما إن نام الناس ،فقد خرج من بيته سرّاً، وقصد معسكرا/ للإنكليز / كان غير بعيد عن قريتهم، وبواسطة خيطٍ قاس به عرض إطارات سياّرة صاحبه، راح يقيس إطارات السيّارات الموجودة في المعسكر، باحثاً عن إطاراتٍ بالمقاس المطلوب .

ويضيف الرجل قائلا :

    وبحثت وبحثت، فلم أجد طلبي إلا في سيّارة واقفة غير بعيد عن ضابطين / انكليزيين /، يلعبان الورق على ضوء مصباحٍ يعمل على زيت الكاز / لوكس /، وقرّرت المخاطرة، فبدأت بفكّ الدولاب الأوّل مع إطاره ، وبعدما أسندت السيارة على حجر وضعته تحتها، دحرجت الدولاب إلى خارج المعسكر وإلى بعدٍ كاف ، وعدت ففعلت بالدولاب الثاني ما فعلته بالأول،وكذلك بالثالث، وأنا لا أنفكّ أنظر إلى الضابطين بين اللحظة والأخرى متحسّباً لما قد يحصل .

   حين عدت لأخذ الدولاب الرابع ، رأيت أحد الضابطين قد نهض من جلسته، وأمسك بمسدّسه الذي كان على الطاولة، والتفت إليّ، وقبل أن يتحرّك باتجاهي سأله الثاني بلغته :

إلى أين أنت ذاهب ؟ وماذا ستفعل ؟

ردّ الأول :

 ألا تراه! لايستحي ولا يخجل ! لقد سرق الدولاب الأوّل  فقلنا لايهم ،وسرق الثاني فقلنا ليست مشكلة ، وسرق الثالث فتغاضينا ، ولكنه عاد ليسرق الرابع ! أفلا يستحق العقوبة ؟

قال الثاني :

 اجلس واتركه يأخذ ما يريد ، اتركه يتعلّم السرقة وأخذ ما ليس له ، ألم يقولوا لك ذلك حين أرسلونا إلى هذه البلاد ، أم نسيت ذلك ؟

يقول صاحبنا بطل الحكاية :

   حين سمعت ما قاله الثاني ، وكنت قد تعلّمت الإنكليزية أيام أسرت عندهم في الحرب، تمنّيت لو أنّ الأرض تنشقّ وتبتلعني ، وشعرت بضعفٍ شديدٍ في رجليّ، حتى أنهما ما عادتا قادرتين على حملي ، فتهاويت حياءً وخجلا من ممارسة السرقة، وكنت أمارسها قبلا بجرأة ووقاحة، معتبراً ذلك من شروط الرجولة والشجاعة .

 وحين شاهدني الضابط الثاني أنهار على الأرض، قام من مجلسه، وتقدّم مني ممسكا بمسدّسه ، وحين وقف فوقي قال لي بلغته :

لقد فهمت ما قلته لرفيقي ،أليس كذلك ؟

هززت رأسي أن نعم، ولم أتكلّم .

فقال لي مهدّداً :

 قم وخذ الدولاب الرابع ، وإن لم تفعل، فسوف أقتلك برصاصة من مسدّسي هذا .

ويضيف صاحبنا :

   قمت وأخذت الدولاب الرابع، وأعطيت الدواليب لرفيقي وضيفي ، وبعدما غادر فرحاً ،توضأت وصلّيت ركعتين لله ، وتبت إليه عن السرقة بعد ذلك ، ووفيت بوعدي .

وإلى اللقاء في الحلقة الثامنة ....... عبدو رشو 28/2/2006


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar