الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 20:07 pm
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة االثالثة

حسن التصرّف

( فنّ التعامل مع الناس )

   تقول الحكاية :

    في الأيام الخوالي ،وقبل أن تكون هنالك مدارس مثل التي نعرفها هذه الأيام، كان الطلبة وقلّة كانوا ، كانوا يتعلمون القراءة والكتابة وشيئاً من الحساب عند شيخ الكتّاب،والذي كانت مهمته الأساسية تعليم القرآن لهؤلاء الطلاب ، ومن كان يريد الاستزادة بعد شيخ الكتّاب ، كان عليه أن يلتحق بحلقة شيخ من المشايخ العلماء، في مسجد من المساجد الكبيرة في المدن الكبيرة،وهناك كان التلميذ يتعلّم أصول الدين من فقهٍ وحديثٍ وشرحٍ للقرآن وغير ذلك من أمور دينية، فهذا التعلّم كان حاجة من حاجات المجتمع، وثوابه عند الله لا يقلّ عن ثواب الجهاد  .

ومن هنا تبدأ حكايتنا ، ففي حلقة من تلك الحلقات التي تحدّثنا عنها، وعند شيخ من الشيوخ الكبار،شعر تلميذٌ من التلاميذ بأنه قد نال ما يبتغيه من علوم،وأنه أصبح قادراً على الخروج للناس وتعليمهم أمور دينهم ، وكان هذا التلميذ متحمّساً مستعجلاً الخروج للناس، طمعاً في نيل الثواب من الله ، ولهذا تقدّم من شيخه يوماً، وقال له مستأذناً الخروج :

 لقد تعلّمت أمور الدين جيداً يا شيخي، وأرجو أن تسمح وتأذن لي بالرحيل والتجوّل في أرض الله الواسعة، وبين عباده الكثيرين لتعليمهم أمور دينهم ، فهم في أمسّ الحاجة لذلك كما قلت لنا .

قال له الشيخ موضّحاً :

أعلم أنك قد استوعبت علوم الدين جيداً يا ولدي،ولكنك لم تتعلّم بعد أصول التعامل مع الناس،وكيفية مخاطبة كل فئةٍ منهم،أي أنك لم تتعلّم حسن التصرّف في المواقف التي قد تستجد معك .

قال التلميذ المتحمّس :

عفوك يا شيخي ومعذرتك، فما أراه هو أني قد تعلّمت ذلك أيضاً،ولا يتعدّى أمري وأمر الناس ، عن شرح آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وتعليمهم أصول العبادات، فدعني أرحل وأعمل لأنال الأجر والثواب من الله .

قال الشيخ :

ليكن لك ما تريد، فارحل وسرْ على بركة الله،وعد إليّ إن شعرت بالحاجة إلى تعلّم فن التعامل مع الناس .

ـ حسناً يا شيخي، وأعدك بذلك .

   قالها التلميذ المتحمّس وانطلق في سبيله ليعلّم الناس أمور دينهم، وليهدي الضالّين إلى جادة الصواب ، انطلق تستقبله قرية لتودّعه إلى قرية أخرى، وهو يسعى جهده لتقديم أفضل مالديه .

وفي يوم جمعة، وصل إلى قرية كبيرة، فأسرع إلى جامعها ليصلّي صلاة الجمعة،وليرى في الوقت نفسه إن كان يستطيع تقديم شيْ ما من علومه لأهلها .

   وجلس التلميذ بين الناس الذين جاؤوا لتأدية الصلاة ،وحين حان وقت خطبة صلاة الجمعة، برز شيخ مهيب، بعمامةٍ كبيرةٍ جداً، وصعد المنبر بهدوء وتؤدة،تسبقه لحيته الكثّة الطويلة،وبعد تنحنح وتعوّذ وبسملة،انطلق يخطب بالمصلّين خطبة مليئة بالقراءآت الخاطئة،والأحاديث المدسوسة التى لايقبلها عقل، خطبة أظهرت جهل الشيخ الخطيب المعمّم بأبسط أمور العلوم الدينية،وهذا ما دفع تلميذنا المتحمّس للوقوف ومعارضة الخطيب وإظهار أخطائه،مطالباً الناس بعزله وإنزاله من فوق المنبر، فهو جاهل غير جدير بهذا المكان .

ولكن وما كاد تلميذنا المتحمّس ينهي كلامه، حتى كان المصلوّن قد تكوّموا فوقه، وانهالوا عليه لكماً ولطماً وضرباً ، ثم جرّوه إلى خارج المسجد، وألقوه كما تلقى النفايات وهم يقولون : أحمق وقليل الأدب وجاهل،لاندري من أين جاء، ولا من أرسله ليهين شيخنا الجليل وعالمنا المهيب .

وعاد تلميذنا المتحمّس إلى شيخه الذي ما سمع نصحه ، عاد إليه مهزوماً حزيناً وروى له ما أصابه في القرية تلك، فاستقبله الشيخ وواساه وأبقاه عنده أسابيع وأشهراً وهو يعلّمه الأساليب التي عليه أن يتبعها في مخاطبة الناس وبحسب درجات فهمهم ، وأساليب تفكيرهم، وبعد أن شاهد الشيخ أنّ تلميذه قد نال ما هو بحاجة إليه، أطلقه قائلا له :

اذهب يا ولدي وعلّم الناس أمور دينهم، فقد أصبحت قادراً على ذلك .

   وهكذا انطلق التلميذ الذي ما كان نسي ما أصابه في تلك القرية التي ما نسيها أيضاً، انطلق إليها مباشرةً وفي يوم جمعة أيضاً، داعياً الله أن يكون الشيخ المعمّم باقياً فيها وحيّاً يرزق، وفرح كثيراً حين وجده قد صعد المنبر، وجاء بمثل ما كان قد جاء به قبلا،بل وكان قد ازداد جهلا.

   وانتظر تلميذنا بصبر وهدوء حتى أنهى الشيخ المعمّم خطبته تلك، وانتظر أيضاً انتهاء الشيخ من صلاته،وحين انتهت الصلاة وأراد المصلّون الانصراف، وقف تلميذنا وخاطب من في المسجد بصوت عالٍ قائلاً :

أرجوكم أيها السادة المصلّون الوقوف دقائق قليلة ، فعندي شهادة أريد أن أؤديها بحق شيخكم الجليل هذا .

   ووقف المصلّون جميعاً منتظرين ما سيقوله الشاب الواقف بينهم، والذي ما كانوا قد عرفوه، لأنه كان قد جاءهم بهيئةٍ غير التي كان جاء بها قبلا، وبدأ التلميذ الكلام فقال :

   أيها السادة المحترمون ، أنا تعلمت ودرست في مدارس دينية كبيرة وكثيرة،وقد سافرت ورحلت عبر مدن وقرى ومساجد كثيرة، رأيت فيها شيوخا كثيرين وعلماء أجلاّء، وأقول لكم الآن ومن موقفي هذا ، أني ما رأيت شيخاً مهمّاً وعالماً جليلا مثل شيخكم وعالمكم هذا، إنه شيخ مبارك عليكم رعايته والاهتمام به ، وأصارحكم أكثر بقولي أنّ كل شعرة من شعيرات لحيته هي شعرة مباركة،لذا اسمحوا لي أن أقتلع إحدى شعيرات لحيته لأتبرّك بها في حلّي وترحالي .

   كان شيخ القرية يستمع إلى أقوال التلميذ وقد داخله الزهو والخيلاء، وراح يبتسم في سرّه راضياً بما يسمع، غير عالم بما ينتظره ، إذ ما إن أنهى التلميذ كلامه المعسول،وتقدّم من الشيخ واقتلع شعرةً من  لحيته الكثّة،  حتى أسرع المصلّون جميعاً متكوّمين فوق الشيخ المبارك، وراح كل منهم يحاول اقتلاع إحدى شعيرات لحيته ليحتفظ بها تبرّكاً ،وما هي إلا لحظة أو لحظتان حتى كانت لحية الشيخ المبارك قد اقتلعت شعيراتها جميعاً،ولما وجد المتأخّرون من المصلّين أن شعيرات اللحية قد انتهت، انهالوا على شعر رأسه فلم يبقوا منه شيئاً ، وهكذا خرج شيخنا من المسجد أمرد أصلع ،ولم يجد أمامه غير الهروب من القرية إلى غير رجعة، بينما كان التلميذ المتحمّس الذي تعلم فن مخاطبة الناس ، واقفاً غير بعيد ينظر إلى الشيخ الأمرد الأصلع مبتسماً راضياً، شاعراً بأنه قد ثأر لنفسه .

   ـــــــــــــــ

المختار الأحمق

 ( أحمق رجل في العالم )

 تقول الحكاية :

   إن رجلاً خبر الحياة جيداً خلال عمر مديد عاشه،وذاق في أثناء حياته هذه حلاوة الدنيا ومرارتها، وعايش الناس أشكالا وأصنافاً، وشاهد منهم أفعالا وسمع أقوالا، وتوصّل بعد كل ذلك وبنتيجة كل ذلك إلى اكتساب خبرة كبيرة ، قادته إلى القناعة بأن كثيراً من الناس يمارسون حماقات كبيرة ، يقبلون عليها طائعين مختارين، وأنّ الكثيرين من الناس تغرّهم الدنيا بمباهجها الزائفة الزائلة، فيقبلون عليها دون أن يفكّروا بنتائجها، والتي لاتكون إلا حماقات متتالية.

وتكمل الحكاية قائلةً :

   إنّ هذا الرجل حين حضرته الوفاة، أراد أن ينقل خبرته الطويلة تلك، ورؤيته العميقة لأفعال الناس إلى ابنه، وكان يتوسّم فيه خيراً، فناداه وأعطاه صرّةً من ليراتٍ ذهبية، وقال له موصياً :

أوصيك يا ولدي أن تأخذ هذه الصرّة، وتجول في بلاد الله الواسعة حتى تجد أحمق رجل في العالم، فتعطيها له، وأوصيك يا ولدي أن لا تستعجل في إعطائها فسوف تجد الكثيرين من الحمقى، فاحرص أن تعطيها لأشدّهم حماقة .

   وانتقل الرجل إلى جوار ربّه، وقام الابن بواجبات الدفن وقبول العزاء كما يجب، وحين انتهى كل ذلك،قرّر تنفيذ وصيّة والده، فحمل صرّة الذهب في عبّه، ومضى يتجوّل في بلاد الله منتقلا من قرية إلى قرية، ومن بلد إلى آخر، باحثاً عن أحمق رجل في العالم ليعطيه الصرّة .

ومرّ الابن بقرية وجد فيها عجباً، وجد رجلا على سطح دارٍ ممسكاً بحبلٍ في نهايته بقرة، وهو يجرّها يريد منها الصعود إلى السطح، وقد وضع لها سلّماً خشبياً لتصعد عليه ، والبقرة تأبى وهو يجرّها عليها طالباً منها الصعود ،فوقف الابن وسأله قائلا مستغرباً ما يفعله :

ما هذا الذي تفعله يا هذا؟

أجاب الرجل :

 هاهنا فوق سطح الدار عشبٌ يانع، وأنا أريد أن أطعمه لبقرتي، فقلت لنفسي أُصعِد بقرتي إليه بدل قطفه وإنزاله إليها .

نظر الابن البار إلى الرجل وهو لايزال ممسكاً الحبل متابعاً جرّ البقرة، وقال لنفسه :

هذا أحمق حقيقي، ولكنه ليس أحمق رجل في العالم .

قالها ومضى متابعاً بحثه، وأثناء متابعة بحثه مرّ في قرية أخرى بجمع يبكون، جمعٍ من رجال ونساء يبكون وهم جالسون متحلّقون حول بئر ، فتوقّف وسألهم :

 لماذا تبكون أيها الناس ؟

ـ نبكي ولداً لنا سقط في البئر .

ـ وهل استخرجتموه ؟

ـ كيف نستخرجه وهو لم يسقط بعد !

ـ ما ذا ! كيف سقط ومات وأنتم تبكونه ولم يسقط بعد ؟

   وانبرت امرأة من بين الحضور وقصّت عليه القصّة فقالت إنّ ابنتها حين جاءت إلى البئر لتجلب الماء وجدت فوهة البئر من دون سياج ،فقالت لنفسها غداً عندما أتزوّج سيأتيني ولد ، وسيأتي إلى البئر ليشرب ، ولأنّ البئر بلا سياج  سيسقط فيه ويغرق ،لذا جلست تندبه، وأن أمها  حين علمت بذلك جاءت وشاركتها في الندب على الحفيد ، وكذلك فعل أبوها و إخوتها وجميع أهلها حين سمعوا بالأمر ، و ...

   وتركهم الابن البار الباحث عن أحمق رجلٍ في العالم في مناحتهم تلك، ومضى قائلا لنفسه :

هؤلاء جميعاً حمقى ، ولكنهم بالتأكيد ليسوا ا لكثر حمقاً في العالم .

ومضى الرجل متابعاً بحثه، ومرّ على أقوامٍ وأقوام ، وشاهد حماقاتٍ وحماقات، وظل يتابع بحثه وهو يقول لنفسه :

 هنالك أحمق من كل من رأيت ، ولم أهتد إليه بعد .

   وصل صاحبنا إلى قريةٍ وجد في ساحتها جمعاً وسمع ضجيجاً، وحين اقترب وجد رجالا وأطفالا ونساء يلعنون رجلاً قد أركبوه بالمقلوب حماراً ،وقد سوّدوا   وجهه بالسّخام، وهم يرمونه بالبيض الفاسد   و ببعض الخضار الفاسدة ، ويدورون به في ساحة القرية وبين حواريها .

وتقدّم الرجل من أحدهم وسأله :

ماذا فعل هذا الرجل لتفعلوا به ما تفعلونه ؟

ـ هو لم يفعل شيئاً .

ـ لماذا تفعلون به ما تفعلونه إذاً ؟

ـ لأنه عُزِل وانتهت ولايته .

ـ عفوك يا هذا ، فلم أفهم ما قلت ؟

قال : يا أخي هذا مختار قريتنا السابق، لقد انتهت ولايته وتم عزله، ونحن نفعل بكل مختار يعزل ما تراه الآن .

قال : وهل اخترتم مختاراً جديداً بدلا عنه ؟

قال : نعم وهو الآن في مضافة القرية يتقبّل التهاني .

   وترك الابن البار الجمع ومضى إلى المضافة حيث المختار الجديد يتقبّل التهاني، فوجد المختار متربّعاً في صدر المضافة مبتسماً راضياً شاعراً بالزهو والخيلاء، وهو يستقبل المهنئين ويودّعهم,فسلّم عليه وقدّم له التهاني، وبعدما جلس قليلا ، قام إليه وقدّم له صرّة الذهب وهو يقول له :

هذه من والدي فقد أوصاني أن أوصلها إليك .

سأله المختار الجديد : ومن هو والدك ؟ وهل هو من معارفي ؟

ردّ الابن :

 أنت لا تعرفه ،ولكنه عليه رحمة الله كان يعرفك جيداً .

 ــــــــــــــ

العالم الزاهد

( عالم الموصل )

 تقول الحكاية :

   عاش في الموصل / موصل العراق / عالمٌ فقيهٌ حكيم ، كان فريد عصره في العلم والحكمة ،

عاش زاهداً متصوّفاً غير آبه بملذّات الدنيا ومباهجها،عاش قانعاً بكفاف يومه، فقد كانت الدنيا بالنسبة إليه ممرّاً للعبور إلى الآخرة، وأن كل ما فيها من لذائذ ومسرّات هي زائفة زائلة ، وعلى الإنسان العاقل أن يسعى جاهداً ليخرج منها بأخف الأوزان والأوزار، فقد " فاز المخفّون " كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام .

   وهكذا عاش صاحبنا قانعاً راضياً بحياته وبما يأتيه من رزق من هاهنا وهاهناك، قاضياً وقته كله في العبادة والدرس والتعليم، تعليم الناس أمور دينهم ،يلقيها على الناس في المسجد حيث يعيش وينام إذ لم يكن له بيت يأويه .

ولم يكن الرجل يزور الولاة والحكام والأمراء والوجهاء ، فقد كان زاهداً فيهم وفي أعطياتهم التي كان يبحث عنها غيره بإلحاح .

   واشتهر عالمنا الموصلي هذا بين الناس، وذاع صيته كعالم وزاهد ومحدّث وفقيه، وصار الناس يحضرون دروسه جماعات جماعات،وسمع به الخليفة في بغداد، وما كان يعرف عنه شيئاً،فسأل وزيره عنه ، فأفاده بمثل ما سمع، وهذا بعث في الخليفة الرّغبة في لقياه والتحدّث إليه والسماع منه ، فأرسل الوزير من يستدعيه للقاء الخليفة محمّلا بصرة من دنانير ،ولكن الرسول ذهب وعاد وحيداً وقال للوزير :

هو لايحضر مجالس الخلفاء ومن دونهم أيضاً، وهو لايقبل أعطياتهم أيضاً .

   وأرسل الوزير قائد شرطته لإحضاره بناء على رغبة الخليفة، فرغبات الخليفة أوامر ، ولكن قائد الشرطة ذهب وعاد خائباً أيضاً، وقال للوزير مثلما قال الرسول الأول ، وهكذا اضطر الوزير للذهاب بنفسه إلى الموصل، لمقابلة العالم الزاهد لإقناعه بالمجىء إلى بغداد، وحضور مجلس الخليفة الراغب في لقائه  .

   وفي الموصل سأل الوزير عن بيت العالم ذاك، فأفيد بأنه لا بيت له ، ولما سأل عن مكان إقامته، أفادوه بأنه يقضي وقته في المسجد الكبير أو حوله، فإذا ما حلّ الليل وذهب الناس إلى بيوتهم أوى إلى المسجد لينام فيه ، وأما عن طعامه وشرابه فأفادوه بأنه يأكل ما يتيسّر له مما يجود به الناس عليه  أو مما يقع بين يديه ، فهو لايطلب شيئاً من أحدٍ أبداً .

   وذهب الوزير إلى المسجد الكبير باحثاً عنه، فوجده خارج المسجد ، مسنداً ظهره إلى جداره الخارجيّ يأكل شيئاً ما، فلما اقترب منه وجده جالساً قرب بقايا طعام رماه الناس، وكان الطعام مؤلّفاً من حبّاتِ زيتون تالفة، وبقايا أرغفة علاها العفن،وكان الرجل العالم الفقيه الرافض لقاء الخليفة وأعطياته، جالساً قرب ذاك الطعام، وهو يتناول بقايا الرغيف الواحد، فيزيل عنه العفن بموسى كانت بيده، ثم يبحث بين بقايا حبّات الزيتون التالفة عن بقايا حبّة صالحة ، فيحملها ويضعها بين بقايا الرغيف الذي أزال عنه العفن، ويضع اللقمة تلك في فمه، ليأكلها بهدوء وقناعة تامة.

وتكلّم الوزير بعد طول وقوف ناظراً إليه وإلى ما يفعل مسلّماً عليه ، فردّ الرجل التحية بأحسن منها ، وسأله الوزير مستعلماً :

أأنت العالم الفلانيّ ؟

فردّ عليه أن نعم وهو يتابع تناول طعامه ، غير آبه به وبمن حوله .

قال الوزير سائلا :

أرسلت إليك برغبة الخليفة في لقائك ، فلماذا رفضت الحضور ؟

ـ أنا لا أزور أحداً ، ولا أحضر مجلس أحد .

ـ ولكن الخليفة راغب في لقائك والتعرّف إليك  .

ـ قلت لك إني لا أزور أحداً ،ولا رغبة لي بلقاء أحد .

ـ  أتعرف ما يعنيه رفضك لقاء الخليفة ؟

ـ وما يعني  رفضي  ؟

ـ يعني رفضك هذا أن الخليفة سيغضب .

وبهدوء شديد رفع الرجل رأسه وحوّل نظره إلى الوزير الواقف فوقه وقال له :

 اسمع يا هذا ، من رضي بعيشتي هذه، ومن رضي بتناول هذا الطعام الذي تراه ، لا يهمّه غضب خليفتك ولا رضاه .

 ـــــــــــــ

الحيسوب

( العبد الذي يحسب حسابات دقيقة )

 تقول الحكاية :

    احتاج وجيهٌ إلى عبد يخدمه ويخدم ضيوفه ،في مضافته الكبيرة التي يكثر المتردّدون عليها، وبخاصّة في الأماسي حيث يسهر الناس، ويتبادلون أحاديث شتّى، وكانت هذه عادة الناس في ذلك الزمن الذي لم يكن فيه تلفزيون ولا إذاعة ولا صحف ،وكانت المضافات هي المكان الوحيد الذي يسهر فيه الناس ويتبادلون الأحاديث، وبخاصة في القرى والبلدات التي لم تكن فيها مقاهي، وكان كثيرٌ من الوجهاء يفتتح مضافة يستقبل فيها الناس،وكانت المضافة في الوقت نفسه مكاناً لاستقبال الضيوف القادمين من خارج البلدة ، ففيها كان مبيتهم وطعامهم أيضاً .

   ونعود إلى حكاية وجيهنا الذي ذهب إلى سوق العبيد لشراء عبد للخدمة في مضافته،وهناك راح يتجوّل باحثاً بين العبيد المعروضين للبيع ،عن عبدٍ مناسبٍ مظهراً ومخبراً إن أمكن ،وبعد الدوران في السوق أكثر من مرّة، قرّ قراره على شراء عبد معيّن وجده مناسباً، فتقدّم من صاحبه وسأله عن سبب بيعه للعبد ، وهل دفعه لذلك عذر فيه، أم لحاجة عرضت له ؟ فقال له الرجل :

لكي أكون صادقاً معك ومع نفسي، فأنا أبيع هذا العبد لعذرٍ فيه .

ـ وما هو عذره ؟

ـ عذره أنه يحسب الأمور التي تطلب منه أو إليه بدقّة شديدة، هو" حيسوب "يا سيدي وأنا     لايعجبني هذا الأمر، وأريد بيعه لذلك .

فرح وجيهنا الراغب في شراء العبد وقال لنفسه :

أنا عن مثل هذا العبد أبحث، فأنا بحاجة لمن يضبط الأمور عندي ، ولمن يحسب لكل شيء حسابه الدقيق .

   وبسرعة تم البيع والشراء ،وعاد وجيهنا بالعبد إلى مضافته، وهناك بيّن له عمله،ومكان إقامته ، وانصرف الوجيه مسروراً منتظرا المساء، ليفاجيء ضيوفه بالتحفة التي اشتراها .

   ولم يطل الأمر بالوجيه كي يتعرّف على عبده " الحيسوب " ،إذ ما إن حلّ المساء حتى تقاطر الساهرون على المضافة واحداً بعد الآخر،وبسرعة انهمك الجميع في أحاديث شتى شغلتهم قليلا أوكثيراً عن العبد الجديد، الجالس قرب جرّة الماء التي عند الباب ، والتي يشرب منها الضيوف إذا ما شعروا برغبة في الشرب، وهذا ما شعر به أحد الضيوف الجالسين في صدر المجلس ، فنادى العبد طالباً منه شربة ماء .

أطرق العبد قليلا ، ثم رفع رأسه وقال للضيف طالب شربة الماء :

لقد حسبت حساب هذا الأمر، ووجدت أنه من الأفضل أن تقوم وتشرب لوحدك .

كان صاحب المضافة ينظر ويسمع ، فلما قال العبد ما قاله ،سأله مستغرباً مستفسراً :

قل لي أيها العبد كيف حسبت حسابك هذا ؟

أجاب العبد :

  ياسيدي، إذا نفّذت طلبه فسأقوم من مكاني أولا،ثم أتحرّك نحو الجرّة ثانياً،وأحمل إليه شربة الماء ثالثاً ،وأعود إلى الجرّة لأضع عندها كأس الشرب رابعاً، ثم أجلس في مكاني خامساً ، أما إذا قام هو بالشرب، فسيقوم بحركتين فقط ، هما المجيء إلى الجرّة والعودة إلى مكانه ، حركتان في مقابل خمس حركات، أفلا ترى معي أنه من الأوفر والأفضل أن يقوم هو بشرب الماء ، أليست حساباتي دقيقة ؟

   بهت الوجيه صاحب المضافة وشعر بغضب شديد، ولكنه تمالك نفسه أمام ضيوفه ،وبعد تفكير قليل قال للعبد :

 نعم ، نعم  إن حساباتك دقيقة، بل دقيقة جداً، وأنت فعلا "حيسوب "، بل "حيسوب" كبير، وقد تعلّمت منك الحساب أيضاً، ولذلك وبدلا من أن أقوم بضربك بنفسي ستين عصا تستحقّها ، سنتقاسم ضربك جميعاً، وسيضربك كل منّا عشر عصيّ، وبهذا لن نتعب في ضربك الذي سيستمر يومياً، وحتى تتخلّى عن حساباتك الدقيقة هذه .

 ـــــــــــــــ

الأسد والسلحفاة

  تقول الحكاية :

    إن أسداً خرج من عرينه يوماً وراح يتمشّى أمامه جيئةً وذهاباً بادي الهم وانشغال البال .

وطالت مشية الأسد ، ودفعته همومه للابتعاد عن العرين رويداً رويداً حتى صار في أطراف الغابة، وهو ينظر أمامه وحوله مستطلعاً باحثاً بعينيه عن شيء ما .

   حين صار الأسد قرب طرف الغابة، شاهدته سلحفاة كانت تمشي هناك متمهلة،وحين رأت همّ ملك الغابة الظاهر،اقتربت منه وسلّمت عليه بالملْك وسألته قائلة :

أراك مشغول البال ، مهموم الخاطر يا مولاي،فهل هنالك ما يشغل بالك؟ أراحك الله من كل همّ وغمّ.

أجابها الأسد :

أشبالنا خرجت إلى الصيد ، وقد تأخرت في العودة،وهذا ما أشغل بالي، وأخاف أن يكونوا قد تشاجروا أو تقاتلوا مع بعض حيوانات الغابة، فهم لازالوا صغاراً أغراراً، وقد يدفعهم غرورهم وطيش الشباب للاشتباك مع الآخرين وإيذائهم، وهذا ما لا أريده .

   حين سمعت السلحفاة ما سمعت، راحت تلطم وجهها وتنتحب صائحة :

يا ويلي ويا خراب بيتي، يا ويلي ويا ويلي و....

استغرب الأسد ما سمع وما رأى، وسأل السلحفاة :

 ماذا جرى لك يا هذه؟ ولم الويل وخراب البيوت الذي تتحدّثين عنه ؟

ردّت السلحفاة وقالت :

أولادي أيضاً قد خرجوا للصيد ،وإذا صدق ما تتخوّف منه،فقد يكون اشتباك  أشبالك مع أولادي، وهذا قد يحدث أضراراً وأذى للطرفين ، وهذا ما لا أريده أنا أيضاً .

أدار الأسد ظهره وعاد إلى عرينه وهو يقول :

 ليتني فقدت أشبالي وما سمعت ما قلتيه يا هذه .

  ـــــــــــــــ

طالب شهرة

 تقول الحكاية :

   إن رجلا هملا خامل الذكر كان يتردّد على مضافة البلدة ، ويجلس هناك بين الناس يستمع إلى أحاديثهم،وغايته السهر والسمر وبعض الطعام الذي يقدّم أحياناً للضيوف .

   وكان الرجل نفسه يستمع إلى ما يرويه الحضور عن أعمال المشاهير من الناس وما قام به بعض الحضور أو الغيّاب من أعمال خيّرة ، مثنين عليه  وعليها ، وكان هذا ما يحزّ في نفس الرجل، إذ لم يكن أحد يذكره بشيء، فقد كان صاحبنا يريد الشهرة والذكر بين الناس ، و ما كان يحصل عليهما .

   وراح صاحبنا يفكّر ويفكّر ويفكّر، لعلّه يهتدي لطريقةٍ أو عملٍ يجعل الناس يذكرونه ويتحدّثون عن أعماله وأفعاله .

   ويوماً وبينما كان سائراً في طريقه على غير هدى، مرّ مصادفةً قرب قصر ملك تلك البلدة،فوجد جمعاً حول القصر، ودفعه الفضول للاقتراب والسؤال عما يجري، فقالوا له إن خزينة الملك قد سرقت ، وأن الشرطة تبحث عن الجناة، وهم يبحثون في القصر وحوله عن دليل ربما يكون الجناة قد تركوه خلفهم .

   ووجدها صاحبنا الهَمَل فرصةً سانحةً، وبهدوء انتحى جانباً، وفي غفلةٍ عن أعين الجميع، خلع فردة حذائه وألقاها إلى داخل حديقة القصر، واندسّ بين الحضور من المتفرّجين منتظراً، وبعد قليلٍ سمع أحد رجال الشرطة ينادي بأنهم قد عثروا على فردة حذاء أحد اللصوص، وبعد البحث والتقصّي عن صاحب الحذاء، قبض على صاحبنا الذي كان راغباً بالقبض عليه،وسيق للتحقيق مطالباً بالاعتراف بالسرقة وذكر أسماء رفاقه .

   وحين لم يعترف بالسرقة ولا أعاد المال المسروق لسبب بسيط، وهو أنه ليس السارق ولا يعرف من سرق، انهالوا عليه لطماً ولكماً وضرباً مبرّحاً ، وهو صامتٌ ساكت ، بل كان يبتسم في سرّه وهو يقول لنفسه :

اليوم سيذكرونني في المضافة كثيراً .

وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة .

25/8/2005 عبدو محمد


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar