الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Fri - 3 / May / 2024 - 4:58 am
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة الأولى

 إهـداء ...

إلى من كانت ولا تزال

رفيقة دربٍ ، وشريكة حياةٍ ، وصديقة عمرٍ ، وأماً رائعةً .

وواحةً من فيءٍ ونسيمٍ ، وملاذاً آمناً من منغّصات الحياة .

إلى " وحيدة " التي كانت لي نعم العون في درب الحياة .

أقدّم شيئاً من ذاكرة شعبٍ طيّبٍ ، من جزءٍ من بلادي الطيّبة ، شيئاً من ذاكرة شمال سوريّة الحبيبة .                                                                       

مقدّمة
 

     حكاياتٌ ووقائع جرت ، و طرائف حدثت ، وأقوال قيلت، فذهبت مثلا لحكمة فيها ، أو لعبرة أو لرمز أرادته، وقد أضفتُ إليها كلمة حديثة من باب تغليب الكل على الجزء ، وذلك لأن معظم ما ورد في الكتاب من حكاياتٍ وأحداثٍ لا يتجاوز عمرها الزمني المئة عام ، أو ربما أكثر من ذلك بقليل .

   وهي حكايات وأحداث جرت بغالبيتها في شمال سورية وما حول حلب وأعمالها تحديداً، وقد نقلت فيما بعد ورويت بأشكال وأسماء مختلفة، كما نسبت إلى أماكن مختلفة ، وهذا غير هام كثيراً ، وما يراد بالحكاية عبرتها .

   وتبقى ماثلة أمام أعيننا إشكالية التفكير الإنساني المتشابه كثيراً أو قليلًا في المواقف المتماثلة، إذ كثيراً ما نرى الحكاية الواحدة تتكرر بحذافيرها، أو بما يزيد أو ينقص قليلًا في أماكن عديدة من العالم ، دون أن يكون لأحدهما علم بما جرى في المكان الآخر  .

   وكل ما ورد في الكتاب سمعته شفاهاً من أناس سمعوها من غيرهم ، أو كانوا شهودها أو أبطالها ، أما الحكايات التاريخية الأقدم ، فقد سمعتها شفاهاً أيضاً ممن كانوا قبلي، وكانوا على شىءٍ من العلم والدراية، ولا أدري إن كانت مكتوبة في كتاب أم لا ، وقد حاولت جهدي معرفة ذلك فما استطعت .

   وقد حرصت على أن أسجل للقاريء الكريم ما انتقيته مما سمعته ، الحكايةَ ذات المغزى العميق، أو التي تقول حكمةً بليغةً ،أو التي تقرع أذن سامعها قرعاً، لتقول له ما هو بحاجة لسماعه ، والتي تنطلق كالرصاصة فتصيب هدفها ، وهدف الحكايات هنا ليس القتل بل التنبيه .

وأخيراً هي دعوة للتبصّر والتفكير أردتها ليس إلا  .....

وأسأل الله التوفيق  

عبدو محمد

أولا _  حكايات عامة

الأصل غلاّب

( مين غاب عنّك أصله، دلّك عليه فعله )

تقول الحكاية وهي قديمةٌ قديمة :

   إن أميراً، شيخ قبيلة ذا سطوة وقوة وجاه ، احتاج يوماً إلى عبدٍ يخدم في مضافته  ضيوفه الكثيرين ، وذهب الأمير إلى سوق العبيد ، وراح يدور في أنحائها ويدور، باحثاً عن عبد مناسبٍ مظهراً ومخبراً إن أمكن ، وفي طرفٍ من السوق وجد بغيته ، أو هذا ما توقّعه ، فتقدّم من صاحب العبد المعروض للبيع، وسأله عن المبلغ الذي يريده ثمناً لعبده ، وفوجيء حين طلب الرجل ثمناً باهظاً ما بيع به عبد قبله ، ولما سأل عن السبب، قال صاحبه:
 لأنه عبد فهيم حكيم ، ولأنه لايُقدّر بثمن ، ولولا الحاجة الماسة لثمنه ما كان باعه .
 وكان الأمير راغباً في شراء العبد ، وما كان الثمن عنده هاماً ، وقد زاده كلام صاحبه رغبة في شرائه ، فدفع ثمن العبد وهو يقول:

ما جئت إلى هذه السوق إلا باحثاً عن عبد فهيم حكيم،لأني بحاجةٍ إليه وإن كنت أميراً .

  وأخذ الأمير عبده الجديد معه، ومضى إلى قصره أو مضاربه لا فرق ،وهناك راح العبد يخدم سيده الجديد بأمانة وإخلاص أََُعجِب بهما الأمير،وهذا ما جعله صاحب رأي ومشورة عنده .

   ومرّت أيام بعدها أيام ، وجاء يوم نادى فيه الأمير الشيخ عبده، وعرض عليه حصاناً اشتراه، وقال له :

 لقد اشتريت هذا الحصان،وقيل لي إنه حصان أصيل ، وأريدك أن تعرف هل هو أصيل أم لا ؟

   كان الأمير ابن بادية يعرف أن الحصان أصيل ، ولكنه كان يريد اختبار عبده .

   قال العبد وهو ينظر إلى الحصان :

 أرجو أن تمهلني ثلاثة أيام لأجيبك عن سؤالك يا مولاي .

وكان للعبد ما أراد من مهلة ، وبعد ثلاثة أيام عاد العبد يجرّ وراءه الحصان، ليقول لمولاه :

 هذا حصان ربّته بقرة ، إنه ليس حصاناً أصيلاً تماماً يا مولاي !

   واستغرب الأمير الشيخ ما سمع ، وبسرعة استدعى من باعه الحصان ، وسأله غاضباً عن حقيقة ما قاله العبد ، ولأن البائع ما كان قادراً على تحمل غضب الأمير ، ولأنه كان يعرف حقيقة الحصان ، تلك الحقيقة التي ما ظنّ أن أحداً سيكتشفها، بل ما كان يظنّها هامة ، فقد اعترف للأمير بسرعة قائلا :
 صدق العبد يا مولاي ، فهذا الحصان ماتت أمه الأصيلة أثناء ولادته، ولكي لا يموت جوعاً، اضطررنا لإرضاعه من بقرة كانت لنا، هو حصان أصيل، ولكننا أرضعناه حليب بقرة أياماً .
 سمع الأمير الشيخ ما سمع ، وبانت عليه علائم الرضا والسرور والإعجاب بعبده ومنه وسأله : كيف عرفت الحقيقة يا عبدي ؟
أجاب العبد :
 من شربه للماء يا مولاي ، فالأصيل حين يشرب الماء يغبّه غبّاً ،وهذا رأيته يشرب الماء فـ    " يتشرشر " يتناثر وينسكب من أطراف فمه مثل البقر تماماً .
   ارتاح الأمير وفرح، ونادى المسؤول عن الطعام ( العشّي) وقال له آمراً:

 زد وجبة عبدي هذا رغيفاً .

   ومرّت أيام وأسابيع أخر ، ونادى الأمير الشيخ عبده مرّة أخرى ، وعرض عليه  صقراً     ( الطائر الحرّ)  وقال له :

 لقد اشتريت هذا على أنه ( حرّ ) و أريدك أن تعرف لي هل هو حرٌّ أم لا ؟

   وطلب العبد مهلة ثلاثة أيام، عاد بعدها وقال لسيده :

 إنه ليس( حرّاً) تماماً ، إنه تربية دجاجة   يا مولاي .

    واستدعى الأمير الشيخ من باعه( الصقر)، وهدّده بالويل والثبور إن لم يقل له الحقيقة ، وأمام غضب الأمير، اعترف البائع بالحقيقة قائلاً :

 يا مولاي هو( طائرٌ حرّ) ولكننا أخذناه من عشّه فرخاً صغيراً ،ولخوفنا عليه من الموت جوعاً، ولأننا ما كنا نعرف إطعامه ،وضعناه بين فراخ دجاجة لنا، حتى أصبح قادراً على الأكل .

وسأل الأمير عبده :

 كيف عرفت ذلك يا عبدي ؟

وأجاب العبد :

 من طريقة تناوله للطعام يا مولاي ،( فالحرّ) ينهش طعامه نهشًا، أما هذا الذي بين يديّ، فهو يمسك بطعامه ويجرجره  على الأرض لتقطيعه قبل ابتلاعه ، تماماً مثلما يفعل الدجاج .

ومرّة ثانية ظهر الإعجاب بالعبد على وجه الأمير الشيخ ، ومرّة ثانية نادى على مسؤول طعامه وقال له آمراً :

 زد في وجبة عبدي هذا رغيفاً آخر .

    ومرّت الأيام تتوالى ، وجاء فصل الربيع وكان خيّراً ،ازدهت فيه الأرض وازّينت، وخرج الأمير الشيخ بمضاربه إلى البادية ، ويوماً والأمير الشيخ متكىء في خيمته ، ينظر إلى مباهج الطبيعة مرّة، وإلى قطعانه المنتشرة أمامه وحوله بكثرة مرّة أخرى، خطرت له فكرة لا يدري من أين أتته ، فنادى عبده الذي لم يكن بعيداً عنه ، وسأله قائلاً:

 أريدك أن تقول لي هل أنا أمير ابن أمير أم لا ؟ 

وارتبك العبد ، ارتبك كثيرًا وهو ينظر إلى الأمير الشيخ مرّة، وإلى أمه الجالسة غير بعيد عنه مرّة، ثم قال معتذراً :

 أرجوك أن تعفيني من الإجابة يا مولاي .

قال الأمير الشيخ حاسماً الأمر :

 لا لن أعفيك ، وسأمهلك ثلاثة أيام للإجابة عن سؤالي .

قال العبد :

 إن كنت مصرّاً هكذا فالأمر لا يحتاج إلى ثلاثة أيام،أعطني الأمان وسأجيبك الآن يامولاي .

 قال الأمير الشيخ :

 قل وأجب وأنت آمن .

قال العبد :

 أنت ابن فرّان ( خبّاز ) ولست ابن أمير يا مولاي .      

   واضطرب الأمير وبان عليه الغضب والتأثر كثيراً، ولكنه تمالك نفسه ، ونادى أمّه التي كانت جالسةً في طرف الخيمة، وقال لها راجياً و حازماً في الوقت نفسه :

 أريدك أن تقولى لي الحقيقة يا أمي ، هل أنا ابن أبي الأمير الشيخ أم لا؟ فعبدي هذا يقول غير ذلك ،وهو عبد مجرّب ولا يكذب .

اضطربت الأم قليلاً ، ثم تماسكت واعترفت قائلة:

  إن كنت أستطيع إخفاء الأمر عنك ، فلا أستطيع إخفاءه عن الله ، وهذا أمر أثقل كاهلي، وسأعترف أمامك لأرتاح ، فالحقيقة ياولدي هي أن زوجي، والدك المزعوم، شيخ القبيلة وأميرها قبلك كان عقيماً ، وخفت أن نفقد الثروة والجاه معاً، فاغتنمت فرصة غيابه يوماً، وراودت الخبّاز الذي كان يأتينا ليخبز لنا عن نفسه ، وكان ما كان،وكانت المرّة الوحيدة ، وكان أن جئت أنت ، وهكذا استمرّت الإمارة والمشيخة فينا وبأيدينا.

التفت الأمير إلى عبده وسأله :

 كيف عرفت الحقيقة يا عبدي ؟

أجاب العبد:

من أعطياتك ومكافآتك يا مولاي ، فكل ما أردت مكافأتي تعطيني رغيفاً من الخبز ، وهذه أعطية خبّاز وليست أعطية أمير  .

 ========

الحمار قائداً

( ما يقتلني أنّ الحمير تقودني )

 تقول الحكاية :
  في واحة من واحات الله الكثيرة ، في واحة واقعة على طريق من طرق القوافل، في واحة كانت محطّة استراحة للذاهبين والقادمين من التجّار ومرافقيهم، في تلك الواحة من بلاد الله الواسعة، التقت قافلتان من قوافل التّجار، قافلة دوابِّ حَمْلِها البغال، وقافلة دوابّ حَمْلِها الجمال، وكانت تلك الحيوانات قوّة الحمل والنّقل في تلك الأيام ، وكانت العادة أن يقود قافلة البغال فارس يركب حصاناً أو فرساً أصيلة، وأن يقود قافلة الجمال رجل يركب حماراً .
    وهكذا وفي تلك الواحة التقت القافلتان، وسرعان ما أنزل الحمالون والعبيد الأحمال ، ومدّ الخدم البسط والسجّاد ووضعوا الوسائد، ليرتاح التجار والفرسان حماة القافلتين،بعدما وضعوا حرّاساً حول المكان ، أما دوابّ الحمل والنقل فقد سرّحت لتتحرّك وترتاح على هواها في المكان، وتحت نظر الحراس ومراقبتهم .

وفي طرف من الواحة التقى بغل وجمل، وراحا يتحدّثان فيبثّ أحدهما همومه للآخر ، ومعروف أن البغل يكنّى بـ ( أبو فهيم ) لأن والده حمار، وأن الجمل يكنّى بـ (أبو صابر ) لأنه صبور جدّاً .  

 وراحا أثناء  حديثهما يسألان عن أحوال بعضهما بعضا، وسرعان ما قال البغل محتجّا :

 لست بحالة حسنة يا صاحبي أبا صابر ، لست بحالة حسنة أبداً .

سأل الجمل :

 ومم تشكو يا صاحبي ؟

قال البغل:

 من صاحبي ومالكي ، فهو لا يترك لي وقتا أرتاح فيه، بل ولا يرعاني الرعاية الجيّدة .

ـ وكيف ذلك ؟

قال : يحمّلني كيساً في الذهاب وكيساً في الإياب، والأكياس ثقيلة كما تعلم ،وهو لايسقيني ماء غير مرّتين في اليوم، ولا يطعمني غير مرّة واحدة ، وكل بضعة أشهر يدقّ في أسفل حوافري صفائح حديدية ثقيلة ، فكيف أكون مرتاحاً بعد كل هذا ؟

قال البغل هذا ثم سأل الجمل :

 وأنت كيف هي حالك يا صديقي ؟ عساها تكون أفضل من حالي ؟

 تنهّد الجمل متحسّراً وقال :

 أنت  يحمّلونك كيساً واحداً تجده ثقيلاً، وأنا يحمّلونني كيسين وأقول لا بأس،وأنت يسقونك مرّتين في اليوم وأنا يسقونني مرّة واحدة، أقول لايهم،وأنت يطعمونك مرّة في اليوم وأنا يطعمونني مرّة كل ثلاثة أيام أقول ليست مشكلة ، أنت يدقّون في أسفل حوافرك صفائح حديدية لكي لا تحترق حوافرك من السير فوق الرمل الحارق، وأنا أسير حافيا فوقه ولا أبالي ، وتوقّف الجمل عن الكلام قليلاً ، ونفرت الدموع من عينيه وهو يضيف : الشيء الوحيد الذي يحرق قلبي ويكاد يقتلني ، هو أنهم يجعلون حماراً يقودني .

 ========

الوكيل

( إذا كان هذا وكيلك ، فـ(....) هذا سيفلح لك)

  تقول الحكاية :

   إنّ ديكاً خرج من خمّه صباحاً في يوم ربيعي جميل ،وسار مبتعداً باتجاه الجبل، وأثناء سيره مرّ بجانب كلب مستلق بجانب الطريق، فسأله الكلب :

 إلى أين أنت ذاهب أيها الديك ؟

 أجاب الديك :

سأقوم بنزهة بين وديان ذلك الجبل الذي تراه غير بعيد عنا ، فالدنيا ربيع ، والنسيم عليل ، والأرض خضراء، إنه يوم مناسب للنزهات تماماً .

 سأل الكلب :

 وهل تقبل بمرافقتي لك ؟

أجاب الديك :

 بكل سرور ومحبّة .

   وهكذا سار الديك والكلب معاً،وراحا يتجوّلان على هواهما فوق سفح الجبل وفي وديانه ،وهما يشمّان عطور الزهور المتفتّحة حديثاً ، ويستمتعان وينتعشان بالنسمات الربيعية العليلة التي كانت تهبّ عليهما بين الوقت والآخر، حتى مضى النهار أو كاد، وبدأ الليل ينشر رداءه الأسود دون أن يشعرا بمرور الوقت لشدّة سعادتهما وسرورهما .

   وحين  انتبه الديك إلى أن النهار قد مضى ولم يعد لديه وقت للعودة إلى البيت باكراً ، أسرع إلى أقرب شجرة وقفز إليها واستوى على غصن عال من أغصانها، ثم قال للكلب :

 لا تؤاخذني    يا صديقي، فسأقضي ليلي هنا، لأننا معشر الديوك نصاب بالعشَى الليلي، أي أننا لانرى ليلاً،ولأنّ النوم على الأرض  في هذا الوادي سيجعلني فريسة سهلة للثعالب وأبناء آوى ، فهي كثيرة في الجبال .

فكّر الكلب قليلاً ثم قال :وأنا يا صديقي لن أتركك هنا وحيداً ، هذا ليس من شروط الصداقة ، لذا سأنام بجانب تلك الصخرة القريبة، وإن احتجت لشىء فنادني وستراني بجانبك .

   وبسرعة نام الصديقان، فقد كانا متعبين من كثرة اللعب وشدّة الجري طوال نهارهما كله ،ولم يفق الديك إلا عند الفجر كعادة الديوك كلها ، والتي تفيق وتصيح  ( كو كو ... كو كو ... ) وهكذا راح ديكنا في ذلك الوادي الجبلي يصيح أيضاً ( كو كو ... كو كو ... ) فهي عادة متأصّلة في الديوك منذ الديك الأول ، وهي تصيح صياحها هذا ثلاث مرّات متتاليات ، قبيل الفجر ووقته وبعده بقليل  .

وهكذا صاح ديكنا صيحته الأولى دون أن يحسب حساب تواجد الثعالب وأبناء آوى في المكان ، فهذه عادة الديوك كما قلنا ، وهي لا تستطيع خلاصا منها تحت أي ظرف كان .

وعندما صاح ديكنا صيحته الأولى كما قلنا، سمعه ثعلب كان ينام غير بعيد عن المكان ،فقفز قفزة قبل أن يفتح عينيه، وراح ينصت بانتباه شديد وهو بين المصدّق وغير المصدّق ماسمعه، ولكنه وبعدما صحا من النوم تماما قال لنفسه " ماذا يفعل ديك في هذا الوادي الجبلي ؟ إنّ ماسمعته ليس غير حلم تراءى لي !

 وهكذا تمدّد الثعلب ونام ناسياً أمر الديك ولحمه اللذيذ، ولكنه ماكاد يدخل عالم النوم ، حتى صاح ديكنا صيحته الثانية ، والتي ما إن سمعها الثعلب نفسه حتى هبّ قافزاً وهو يقول لنفسه:

  لا ، لا هذا ليس حلماً، هناك ديك في المكان .

   وجلس الثعلب يصغي منتبهاً دون أن يسمع صوتاً أو حركة ، وبعدما طال عليه الوقت قال لنفسه " من المؤكد أني كنت أحلم ، فليس من ديك هنا " ،وأراد الثعلب أن ينام ولكن حرصه الشديد دفعه لأن يقول لنفسه " لا لن أنام وسأظل متيقظاً حتى الصباح ، فلعلي اسمع الديك إن كان موجوداً ، فالديوك  تصيح صيحات ثلاثاً ، وهذا  الديك صاح مرّتين ، وإن كان وجوده حقيقياً فسيصيح مرّة أخرى ، وحينها سأعثر عليه وأفترسه " .

   وهكذا ظل الثعلب جالساً متيقّظاً ، حتى صاح ديكنا صيحته الثالثة، وكان الضوء قد بدأ يخترق عباءة الليل ، وبدأت الأشياء تتضح رويداً رويداً ، لذا حين سمع الثعلب صيحة الديك الثالثة ، استطاع أن يحدد مكانه بسهولة ، فأسرع إليه ، وحين رآه فوق الشجرة ، سلم عليه بالملك قائلاً: السلام عليكم يا( آغا) جعل الله صباحكم خيراً وبركة .

ردّ الديك  :

 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وجعل الله صباحاتك كلها خيراً .

سأل الثعلب :

 ماذا جئتم تفعلون هنا يا آغا ؟

ردّ الديك :

 جئت أبحث عن فلاحين ليفلحوا لي أرضي هذه الواسعة ، ألستُ آغا كما تقول ؟

قال الثعلب :

 على من تريد وقعت ؛ فأنا فلاح ابن فلاح ابن فلاح ، فانزل لنتّفق على أجرة العمل .

قال الديك : لست بحاجة لنزولي ، ودونك وكيلي خلف الصخرة تلك ، فاذهب إليه واتفق معه على كل شيء .

   وفرح الثعلب وظن أنه قد وقع على صيد ثمين ، فوكيل الديك سيكون ديكاً مثله ، وبهذا سيحصل على ديكين بدلا من واحد ، ولهذا أسرع وقفز خلف الصخرة ليفاجيء الديك الوكيل ، ولكنه فوجىء بالوقوع فوق كلب ضخم أرعبه حجمه، فقام وولى فارّا بأقصى سرعة يستطيعها ، ولكن الكلب لم يدعه يهرب ، بل لحق به سريعاً ليمسك به ويعطيه درساً قاسياً .

   وهكذا راح الثعلب يهرب والكلب يلاحقه أينما هرب، حتى لم يعد يدري إلى أين سيهرب لينقذ جلده، ومن شدّة خوفه راح يدور ويهرب على غير هدى، وهذا ماجعله يمرّ من تحت الشجرة التي فوقها الديك ، والذي ما إن رآه يهرب خائفاً مرعوباً حتى ناداه ساخراً :

 هيه أيها الفلاح ،إلى أين تجري ؟ هل اتّفقت مع وكيلي على العمل عندي ؟

التفت الثعلب إلى الديك وهو لايزال يجري وقال له :

 ( إذا كان هذا الوكيل وكيلك ! فـ( .....) هذا سيفلح لك ).

وإلى اللقاء في الحلقة الثانية ...

8/7/2005 عبدو محمد


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar