هل يمكن أن نحس بآلام الآخرين ونكتب عنها كما هي آلامنا ، هل يمكن للمرء أن يترجم دمعة طفل وهي تنحدر على خده إلى حروف وجمل وهل يمكن لنا أن نرسم مرارة وحزن أم فجعت بولدها وبكرها وهل .. . أسئلة كثيرة وهي تسبح في فضاءات الحزن دون أجوبة ، وأعتقد إنه من الصعب ، بل المستحيل ، الإجابة على هذه الأسئلة قبل أن نكون متأكدين بأن الآخر كم هو قريباً منا وإلينا ، وكم نكون قد اكتوينا بنار تلك الجروح والدموع . فلا يمكن للمرء أن يكون ، على الأقل ، صادقاً إن لم نقل مبدعاً في كتابته عن تجربة – أي تجربة كانت – إن لم يعشها شخصياً .
جاء مبكراً ورحل مبكراً ، هكذا عرفته وهكذا أتذكره . عندما أتاني للمرة الأولى برفقة زميل وصديق له ، نديم يوسف ، حاول أن يقول الكثير- الكثير من خلال صمته وبريق عينيه وهو يقرأ ملامح المكان . لقد فاجئني ثقافته وتواضعه في آنٍ معاً رغم سنوات عمره المتواضعة ، وعرفت عندئذٍ أنه قد اتخذ من الأدب "سلاحاً قبل أن يتخذها مهنة وحرفة" ، ولكن كان يريد أن يعرف كيف يستخدم "سلاحه" بحنكة ودون ضجيجٍ وشعاراتٍ جوفاء .
رحيله المبكر وبتلك الطريقة التراجيدية ، قد خلف وراءه الكثير من اللامعقولية ، لامعقولية "القدر" ، ولامعقولية الفعل والكون ، وأيضا ً وحشية وهمجية الطبيعة وبرودتها تجاه الآخر وفي تعاملها مع المشاعر والأحاسيس . وعندما أتاني خبر نعيه حاولت أن أستمع إلى الكلمات وأرسم معانيها ولكنها كانت تفر مني وتحل محلها صورة ذاك الشاب الذي أتاني بزيارات متفرقة ليجبرني على أن أحبه وقد كنت سعيداً بذاك الحب والصداقة معه .
إن المرء خلال حياته والمحطات التي يمر بها يلتقي بالكثير الكثير من الآخرين ، يستمر مع بعضهم ويفقد آخرين وينسى الكثيرين منهم . إلا أن هناك من يترك آثاراً عميقة في حياتك وذاكرتك ، إن استمروا بعلاقتهم معك أو برحيلهم عنك . وقد كان الراحل محمد بلال يوسف أحد هؤلاء الذين يخلفون تلك الآثار ، وليس على الصعيد الشخصي فقط وإنما برحيله نكون قد خسرنا وخسرت الثقافة الكردية أحد أبنائها وهو في بداية عطاءه ومشواره الإبداعي .
(*) في رثاء الصديق الشاعر محمد بلال يوسف.
بير رستم 5/4/2004