مصادفة
قصة: أحمد خيري
كانت المكتبة تعج بالعناوين الصارخة...
دخلتْ أولا ثم تبعتها الأخرى، تجولتا في أركان المكتبة الضيقة، ثم جلستا بعد أن سلمتا عليه وعلى صاحب المكتبة.
كان جالسا كعادته يعاين العناوين بعينيه المتوثبتين..
كانت الغرفة هادئة ،و« الكوندشن » يرسل برودة هادئة، وفجأة ودون سابق إنذار، انفتح الباب ودخلت ثلاث بواريد..
- قفوا مكانكم.. ولا حركة.. ولجم السكون الغرفة والكوندشن معا.
- هاتوا هوياتكم....
كانوا أربعة أشخاص أصحاب سحنات غاضبة وأجساد ضخمة.
بعد أن تناول احدهم الهويات والدفء الكامن في صدورهم، خرج ثلاثة منهم وبقي واحد ، أخذ يراقب حركاتهم وشفاههم وأنفاسهم ونبض المكان.
وبعد دقائق كانت دهوراً عادوا..
أعادوا هويته وهوية صاحب المكتبة، ثم قال أحدهم للفتاتين: أما أنتما فهيا انهضا...!
نظرنا في وجوه بعضنا مصدومين ونحن بين مصدق ومكذب لما يحدث أمامنا.
قالت إحدى الفتاتين:
- أنا لن انهض، ثم بأية مناسبة وبأية صيغة تطلب منا أن نذهب معكم...؟
نظر إليها غير مصدق جرأتها وثباتها أمام فوهات ثلاث بواريد تلمع.
تدخل صاحب المكتبة: هل لي أن أعرف ماذا يجري...؟
صرخ أحدهم:
- أنت والأستاذ لا علاقة لكما ، نحن أتينا من أجلهما فقط، لدينا معلومات أكيدة عنهما...فهيا ودون أية ضجة.. وإلا.. وكانت هذه الـ... /إلا/ صرخة في وادٍ بلا قرار...
وخرجوا.. واقتادوا الفتاتين معهم...
صرخت الكتب ، وأنّت أمام هذا الضجيج الذي صاحبه كثير من الرعب والخوف.
قال صاحب المكتبة للأستاذ الجالس أمامه:
- هل تعرف هاتين الفتاتين..؟
نظر إليه الأستاذ بعينين مرعوبتين:
أعرف واحدة فقط، اتصلت بي وطلبت أن تراني،فما وجدت مكانا أكثر حرمة من المكتبة لنلتقي...
قال صاحب المكتبة:
- إذا سيطلبونك أيضا.
وانتشر الخوف ليملأ الرفوف والكتب،ثم انتشر في إنحاء جسده كله، فور سماعه تلك الكلمات.
خرج إلى الشارع واخذ يحادث نفسه وجو الرعب ما زال مسيطرا عليه ..
تذكر أن الفتاة التي اتصلت به تعمل في مجلة ثقافية وطلبت منه قبل عامين اثنين حوارا للمجلة، ومنذ ذلك الحين لم يرها أو يسمع عنها شيئا،ولكن من أين حصلت على رقم هاتفه..؟ أه .. يا الهي الآن سيأخذون هاتفها ، ويرون رقم هاتفي وتاريخ اتصالها معي، و,,,, وكبرت الآهة حتى صارت جبلا، عالما من الرعب والتحقيق والتعذيب.
عاد للبيت منهارا، خابر احد أصدقائه عن الواقعة، طمأنه ، ولكن الطمأنينة لم تدخل نفسه، رغم أن صديقه محام وله علاقات مع مسؤولين كبار، وجمعيات حقوق الإنسان والحيوان.
عند الساعة الثانية عشرة رنّ هاتفه المحمول، خفق قلبه بشدة، وتمنى في تلك اللحظة أن يذهب المحمول والمنقول و.. إلى الجحيم...كان المتصل هم، طلبوا منه أن يخابرهم وأغلقوا هاتفهم في وجهه.
ألقى نظرة قبل أن يتصل بهم إلى البيت والأولاد ، وكانت نظرة عميقة ، عمق بياضه، وبياض جيوبه،
إذاً.. لقد عرفوا أنها اتصلت بي قال في نفسه، وأكيد أنها اعترفت بوسائلهم أنها على معرفة بي ، وقد أنكرت أنا ذلك... حتى لو قلت لهم ، أنا لا علاقة لي بهما .. فسيقولون:
- لماذا أنكرت معرفتك بهما وأنت...؟
كانوا ينتظرون هاتفه في الطرف الآخر، ودون أية مقدمات قالوا له:
- غدا عند الثانية عشرة تكون عندنا وإياك، وأُغلق الخط... نظر حواليه...
ومن شدة غضبه أفرغ وحدات الهاتف كلها على اتصالات لم تعطه إلا المزيد من الارتباك. والخوف، واخذ يفكر بالفتاتين:
- ترى ما هو وضعهما الآن... وكيف يتصرفون معهما...؟ وهل أنزلوهما إلى القبو... وأسئلة كثيرة لم يجد لها أجوبة، وبقي الليل بطوله يبحث عن أجوبة..
عند العاشرة صباحا عزف الهاتف موسيقاه، أسرع إليه وفتحه، وعندما شاهد رقم صديقه المحامي على الشاشة ، أجتاحه فرح هارب من لحظة أمل.
قال له:
- لا تذهب إلى هناك ، وسقط جبل من على كتفه، لقد اتصلت بأحد معارفي، وقال له المسؤول عن القضية بأنه أسقط اسمك من الضبط، وتنفس الصعداء في تلك اللحظة.
- ولكن ما مصير الفتاتين..؟ ماذا حصل لهما..؟
أجابه بكل برودة: لا عليك ، سوف يستضيفونهما لفترة.. وأغلق الهاتف.
يا إلهي ماذا يحدث هنا.. ؟
ومضت الأيام وهذه الحادثة لا تفارق مخيلته..وبقي سؤال واحد لم يستطع الإجابة عليه..:
- كيف علموا بوجودهما في ذلك المكان.. وكيف حضروا بهذه السرعة ...؟
وفي يوم من الأيام وبينما كان في زيارة لصديقه المحامي، دخل شخص عرفه مباشرة... يا الهي انه واحد من هؤلاء...نظر في وجه صديقه مستغربا، فابتسم صديقه، وقال:
- انه الشخص الذي أنقذك من الاعتقال ..
أمعن النظر إليه وسأله السؤال الذي طالما أرقه..قال له:
- بربك أن تخبرني كيف حضرتم بهذه السرعة...؟ ابتسم الرجل على غير عادته وقال:
- هذا سر... ولكن ما دمت صديق هذا الرجل فسأقول لك:
- عندما دخلت الفتاتان شاهدهما شخص يعمل لحسابنا، وفي الوقت ذاته يعمل مع جماعتهما،اتصل معنا أربع مرات ولم نرد عليه، فنحن في هذه الآونة لا نعير أمثال هؤلاء اهتماما .. ولكن خوفنا من أن يتصل مع المسؤول الأعلى .... وقد ألح : إن لم تأتوا حالا فسـ ...
وهكذا كانت العملية كلها صدفة بصدفة...
وقالها على طريقته اللا مبالية.
4/6/2012
الكاتب في سطور :
- الاسم : أحمد محمد خيري
- من مواليد دمشق /10/ 1/ 1966 /
- بدأ الكتابة منذ ما ينوف عن الثلاثين عاماً
- شارك في العديد من المحاضرات والأمسيات الأدبية،
- نشر نتاجه في معظم الصحف والمجلات المحلية والعربية.
- عمل صحفياً في العديد من الصحف كمراسل ومندوب.
- نال العديد من الجوائز الأدبية في القصة القصيرة.
- يحمل شهادة دبلوم في الهندسة الإلكترونية.
- تابع دراسته في كلية الآداب جامعة دمشق ثم حلب ولكنه لم يتابع.
- عضو في جمعية العاديات.
- عضو في نادي التمثيل للآداب والفنون.
- عضو اتحاد الصحفيين السوريين.
هــ : 0955/167352
ah66kh@yahoo.com
4/6/2012